طبعلوم زائفة

SW132 علم الطاقة ١: الريكي والعلاج باللمس

موت الطاقة الثلاثي

نصحت أم ديبرا هاريسون بأن تتوجه ديبرا ابنتها للطبيب لسوء حالتها، حيث أثر عليها السكر بدرجة كبيرة، ولم تكن تتعاطى الأدوية لعلاج المرض، ولم ترضى التوجه للأطباء لفصحها، بل حتى إن أبناءها طلبوا منها عدة مرات بأن تذهب للمستشفى، ولكنها رفضت أيضا. كل المحاولات باءت بالفشل، ويعود السبب لكون ديبرا مختصة بعلم الطاقة وكانت تحاول علاج نفسها به، بل إن شريكتها الدكتورة ميري لينش التي أنشأت معها مركزا للعلاج بالطاقة أو ما أطلقوا عليه (Consegrity) أصرت على أن لا تذهب ديبرا للعلاج الطبي، لتبقى على العلاج بالطاقة.

في إحدى المرات التي كانت فيها ديبرا على فراش المرض، ألحت أمها عليها بالذهاب إلى الطبيب لازدياد سوء حالها، إلا أن الدكتورة ميري لينش أمسكت بالأم، وجرتها إلى غرفة أخرى لتخبرها بأن لا تطلب من ديبرا الذهاب للمستشفى أبدا بعد ذلك. أصبحت شديدة النحافة، وغير قادرة على المشي، ولم تكن في وعيها التام، حيث كانت بين الإفاقة والنوم، وكانت تهذي.

لا تنسى أن تدعم السايوير بودكاست من خلال Patreon، كن مع الداعمين.
Become a Patron!

توفيت ديبرا في صيف 2005، وبعد أن فحص جثتها الطبيب الشرعي اكتشف إنها توفيت من إهمالها الشديد للسكر، وصل بها الحال إلى عدة أمراض خطيرة أودت بحياتها.

قبل وفاتها بعدة أشهر قررت أمها التي كانت هي مريضة أيضا التوجه إلى الطبيب، لم تتوجه للطبيب قبل ذلك رغم الدلائل على مرضها الشديد لأنها كانت طالبة العلاج بالطاقة عند ابنتها في المركز، فقد كانت تعتقد هي أيضا إن علم الطاقة سوف يعالجها، حينما كشف عليها الطبيب باستخدام مسح CAT scan وباستخدام إم آر آي وآلترا سواند وبعد أن أخذ عينات منها اكتشف إنها كانت مصابة بسرطان على كبدها، لقد فاتها قطار العلاج الحقيقي، حيث كان لديها تورمين، الأول بحجم حبة العنب يقفل الطريق القناة الصفراء، وآخر على الكبد، كلاهما لا يمكن إزالتهما بالجراحة لتقدم مرحلة السرطان.

حينما كانت دبيرا على قيد الحياة كانت تقول إن أمها ليست مريضة، إنما كانت تنظف جسدها من السموم، والسبب في كونها مريضة إن من حولها يؤثرون عليها بطاقتهم السلبية، وإن الذهاب للطبيب وفحصها هو الذي سيضع إشارة أو وسم على المرض، وسيلقبه باسم مثل “سرطان”، وسيكون هذا اللقب هو السبب في تكوّن السرطان (تخيل المنطق المقلوب). وقد أكدت إنها كانت تعرف عن السرطان في جسد إمها حينما كانت تفحص طاقتها، وسرطانها “لم يكن مفعلا”ـ أي إنه لم يكن فعليا سرطان، وإنها عالجت أمها منه، ثم طالبت من كل أبنائها الذين كانوا يحيطون بها الخروج من البيت لكي لا يؤثروا عليها بالطاقة السلبية.

لم يحصد العلاج بالطاقة فقط ديبرا وأمها، بل حتى رأس المشكلة الدكتورة ميري لينش توفيت هي الأخرى من إهمالها لنفسها صحيا، ومحاولتها لعلاج نفسها بالطاقة، لم تستطع أن تنقد ديبرا ولا أمها بعلاجها السحري، ولم تتعلم الدرس، بل إن حتى مع وفاة شريكتها وأمها كانت تلقي اللوم على الأسرة، لقد كانت الطاقة السلبية هي السبب، ولم تلتفت إلى حب وحنان أبناء ديبرا، وإلحاحهم على إدخالها إلى المستشفى، لا يعلم تحديدا كيف توفيت ديبرا، القصة المتداولة إنها في النهاية أصيبت في تلوث بإصبع من رجلها، رفضت علاجه بالمضادات الحيوية، فقطعه لها الأطباء بعد تفاقم المشكلة، وتوفيت من صدمة إنتانية وهي في منزلها سنة 2012.

لقد اعتمد العلاج بالطاقة على 100٪ إيمان و0٪ علاج. ربما كانت ميري لنيش نصابة، أو ربما كانت تؤمن بإخلاص هي ديبرا وإمها كل منهم إن العلاج بالطاقة يعمل، ولكن الطبيعة فرضت نفسها، الجميع يموت يوما ما، بما فيهم الثلاثي المُعتقد، ولكن ربما لو إنهن اتخذن المسار الطبي لربما أطال أعمارهن، أو لربما خفف عنهن آلام المرض. في جميع الأحوال العلاج الطبي الحقيقي أفضل بكثير من الوهم حتى وإن قدم لهم الوهم الأمل.

قصة ميري لينش ليست فريدة من نوعها، بل هناك الكثير من القصص التي تعتمد على العلاجات البديلة أو المكملة، والكثير منها ينتهي إلى قضايا في المحاكم.

في الغالب الأعم من يستخدم “علم الطاقة” أليف، غير مضر، ويحل محل شخص يقوم بمساج، أو طبيب نفسي مريح إيحائيا، ليؤثر تأثير بلاسيبو عقيم علاجيا، وفي العادة إن لم يطلب منك مختص أو ماستر علم الطاقة استخدام الطاقة كبديل للطبيب الحقيقي سيقول لك إن علاجه مكمل للطبيب، الطبيب يعالج بكل تأكيد، ولكن العلاج بالطاقة يعدل على طاقة الجسم، ينظفه من الطاقة السالبة، ويستبدله بأخرى إجابية، ويصلح على نتوءات فيها، ويزيل احتقانها، المعالج بالطاقة يُفعّل الجسم لكي يعالج نفسه بنفسه كمساعدة للطبيب.

لن يلجأ إليهم إلا السذج الذين لا يفهمون كيف يعمل العلم، ولن يلجأ إليهم إلا الذي وجد إن كل الطرق العلاجية الحقيقية نفدت، وذلك بعد أن جربوا جميع ما توفر لهم من أطباء، وفقدوا الأمل فيها. وفي بعض الأحيان يلجأ إليهم من يود تعلم طريقة العلاج، إنهم النصابين الذين علموا إن في هذا الوهم طريقة لاستنزاف المحافظ. خطابي هذا ليس للنصاب، لأنه لن يتخلى عن بيع الوهم، فالأموال التي تمطرها عليهم الطاقة شديدة الحاذبية، خطابي للمتوهمين السذج المساكين الذين يودون معرفة الحقائق، والذين لديهم الاستعداد للتخلي عن الأوهام إن اتضحت الأمور، أولئك الذين لا يجدون الأعذار بعد تسلمهم للأدلة الواضحة.

ما هو العلاج بالطاقة؟

انتشر علم الطاقة في العالم كله، ولم يستثن العالم العربي، بل انتشر فيه انتشار كاسحا، وصدقه الكثير. ما عليك إلا أن تتصفح يوتيوب لتجد فيديو يجر آخر عن العلاج بالطاقة، في العالم كله وفي عالمنا.

هل علم الطاقة هو علم حقيقي؟ هل الطاقة التي يتحدث عنها مختصو علم الطاقة هي طاقة حقيقية؟

بداية من المهم أن أذكر ماذا يعني حينما يتحدث مختصو علم الطاقة أو المعالجين بالطاقة عن الطاقة، من الناحية العلاجية هناك نوعين أساسيين في العلاج بالطاقة، وهما العلاج باللمس أو الريكي، وكلاهما سيان، كل منهما يدعي القدرة على العلاج.

العلاج باللمس أسست لمبدئه الدكتورة دولوريس كريغر (Dolores Krieger) ودورا كونز (Dora Kunz) في سنة 1979، أما ريكي فقد أسس له حولي عام 1900، وإن يدعي داعمي علم الطاقة إن منشأ هذه الأفكار قديمة تعود إلى آلاف السنين، مستمدين مرجعيتهم من التاريخ العريق. كلا الطرفين يعتقد إن الطاقة هي طاقة الحياة أو طاقة روح الحياة، هناك تفاصيل أخرى عن الشاكرات لن نخوض فيها بهذه الحلقة، فهي في الحقيقة لا وجود لها إلا في شرح علم الطاقة، أما من الناحية العلمية فلا وجود للشاكرات نهائيا، ولا يمكن قياسها، وكل ما يعرف عنهم إنهم مجرد كلمات وأحاسيس.

طريقة العلاج بالطاقة تأتي بداية بتأمل (Meditation) يقوم به ماستر أو مختص الطاقة لتهيئة نفسه، مثل أن يجهز الطبيب نفسه قبل القيام بالعملية الجراحية، وفي الغالب الأعم ستجد إن الماستر يسأل المريض عن تفاصيل مشكلته، ثم يمرر يده على الجسم، بحيث يستشعر طاقة المشارك (سأستخدم كلمة مشارك بدلا من مريض)، مثل أن يقوم الطبيب بتشخيص حالة المريض باستخدام إم آر آي أو ماسح كات (Cat Scan)، بعد ذلك يدرس المعالج المختص طاقة المشارك، فيعدل على الطاقة أو يدخل طاقة إيجابية أو يسحب السالب منها حتى تتوازن طاقته، الهدف من تعديل الطاقة هو أن يعالج الجسم نفسه بالطاقة السليمة، وهذا مثل أن يفتح الطبيب جسد المريض ليُخرج منه الورم، ثم يبدأ الجسم بعلاج المكان المجروح، من الممكن أن يكون هذا اللمس لمس للجسد باليد أو من غير اللمس للجسد كما هو الحال مع العلاج باللمس (Therapeutic Touch) (علاج باللمس من غير اللمس، قد يقصد فيه علاج بالمس ربما)، بعد ذلك يقوم الماستر بسؤال المشارك عن حاله وشعوره لمعرفة مدى تأثره بالعلاج، مثل أن يتابع الطبيب حالة المريض بعد العملية الجراحية، طبعا شتان بين الإثنين، وأحتقر نفسي لمجرد إنني قمت بهذه المقارنة البائسة بين طبيب حقيقي وبائع أوهام، اليد تعمل جهاز فحص، وجهاز علاج، وجهاز تنظيف، وجهاز تعديل الطاقة، حتى المسلسل الخيالي ستار تريك لم يكن بهذا التقدم.

ليتك ترى بعض الأشياء التي يقوم بها مواستر (جمع ماستر) في علم الطاقة، يقومون بحركات بهلوانية مضحكة أبسطها المسح على الجسم عن بعد، تخيل معي بعض هذه الحركات التي تبدو وكأنها بهلوان Mime، ربما تعرف المايم، أحيانا تشاهده على يوتيوب، أعد مظهره البهلواني بتلوين وجهه بالأبيض، وشفته ما حولها بالأسود، ويلبس قبعة سوداء، يضع كفه على حائط وهمي في الهواء، ثم ينقله من مكان إلى مكان آخر، سيظهر لك وكأن أمامه حائط زجاجي، هذا الحائط غير موجود، والمايم هو الذي يوهم الناس بوجوده، هذا بالضبط ما يقوم به مواستر علم الطاقة بأشكال متنوعة، خذ على سبيل المثال زحلقة يدهم في الهواء حوالي جسم المريض لاستشعار شكل الطاقة، أو مثلا جر حبل من الطاقة من ظهر المريض، تخيل كيف تجر حبل بيديك الاثنتين، ثم تقدم يد على الأخرى، وتسحب مرة أخرى، وهكذا، أو يقوم الماستر بنفض الطاقة من يده بعد أن سحبها من المريض، كما ينفض شخص يده من الماء بعد غسلها، أو أن يمسك كريستال بيده، ويهدف إلى توجيه الطاقة الإيجابية من خلاله إلى جسم المشارك، أو ممكن أن يستخدم شدة نباتات مثل شدة البقدونس ويضرب بها جسم المريض من كل ناحية، ليطرد الطاقة، أو ممكن ينفخ على جسم المريض، أو ممكن أن يشفط الطاقة ثم يتشجأها، أو يرشف سائل قابل للاشتعال ثم ينفث ويشعله على المريض مثل التنين، أو ممكن أن يستخدم أجهزة تصدر أصواتا طقطقة تتذبذب ذهاب وإيابا مثل أجهزة المساج، طقطقة في طقطقة (طقطقة في السعودية تعني الكذب كما فهمت).

طبعا هذه كانت مجرد أمثلة، ولكن ليس هناك حصر لطريقة عمل ماستر الطاقة، كل منهم يؤلف على استشعار المرض والعلاج بطريقته الخاصة، وينتج أجهزته الخاصة، ويبتكر كلماته المهدئة الخاصة، كلهم يقلدون المايم في الحركات، ولكنهم ينفردون عنه بالمصداقية، المايم يقوم بحركاته للتسلية، وماستر علم الطاقة يقوم بها لإيهام الشخص بالعلاج.

هل علم الطاقة علم؟

نتساءل أولا، هل علم الطاقة علم حتى يمكن التعلم من خلاله العلاج بالطاقة؟ حينما ندرس الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا وغيرها من العلوم في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم ندرسها بعد ذلك في اليابان أو روسيا أو الصين، لن نجد اختلافا بينها، فلن نكتشف – مثلا – أن قوانين الكهرومغناطيسية متنوعة بحسب الدولة، ولن تُنتِج تفاعلات كيميائية لنفس المواد موادا متنوعة كل منها بحسب ثقافة المخبري الذي يقوم بالتجربة، ولن نجد في كتاب ما إن الخلية تحتوي على دي إن إي، وفي كتاب آخر أن نفس الخلية لا تحتوي عليه، وذلك بحسب الرأي الشخصي لكل مختص، السبب للتوافق يعود لكون المعلومات واحدة في كل مكان، وهي التي تفسر الأشياء بالشكل الصحيح، وأي تعديل للمعلومة العلمية بعد إثباتها يفرض على جميع الدول تعديل معلوماتها لتكون موحدة.

إن قارنا علم الطاقة مع العلوم الحقيقية، فإننا لن نجد اختلافا في شروحاتها أو تطبيقاتها بين الدول فحسب، بل حتى بين الأفراد في نفس الدولة، كل له تفسير مختلف لعلم الطاقة، وكل له طريقة في علاج الناس، وكل له رأي فيما يحدث حينما تمرر أو تسحب الطاقة من المريض، وكل شخص له أداة مختلفة في التعامل مع الطاقة، فتارة تجد من يستخدم الكريستالات للعلاج، وتارة تجد من يستخدم اليد بحركات انسيابية وأحيانا بهلوانية ومختلفة تماما عن غيره، وتارة تجد من يستخدم ريشة لطرد الطاقة السالبة، وتارة تجد جهاز إلكتروني مصمم منزليا لامتصاص أو دفع الطاقة، وأحيانا تجد من يستخدم شدة نباتات كالبقدونس لطرد الطاقة السلبية، وأيضا يقوم البعض بتف أنو نفث الماء من الفم على الشخص، أو بنفث النار عليه، ومنهم من يستخدم بذور النباتات، وهناك أمور أخرى كثيرة مستخدمة في العلاج الوهمي.

ثم أن كل شخص يشرحها ليس فقط بطريقته الخاصة ليصل إلى نفس النتائج، إنما يشرحها بطريقة مختلفة ليصل إلى نتائج مختلفة. اسأل عشرة مختصين في علم الطاقة عن كيفية العلاج بالطاقة تحصل على إحدى عشرة إجابة. وستجد أن كل مختص في علم الطاقة يدعي إنه هو الذي يمتلك الحقيقة، وفي الحقيقة إنه لا أحد منهم يمتلكها بتاتا.

حتى تدريس العلاج بالطاقة للحصول على شهادة فهو أمر غير منضبط، لا تجد أحدا يدرس منهجا واضحا ناهيك عن كون المعلومات موحدة، يستطيع أي شخص أن يحصل على شهادة تؤهله للعلاج بالطاقة في أيام، قارن هذا مع الطبيب الذي يقضي أكثر من عقد من الزمن في فهم جسم الإنسان، ومكوناته، من عظام، وأعضاء، ودم، وما أشبه، ثم أنواع الأدوية وتأثيرها على الجسم، ثم يتخصص في جزئية دقيقة ليقضي سنوات أخرى لفهم الأنف والأذن والحنجرة، أو المخ، أو القلب، لتأتي شهادة العلاج بالطاقة في أيام، ثم لتعد علاجا بديلا أو مكملا. أمر مؤسف أن يصدق “الماستر” نفسه وقدرته على علاج الأمراض بعد كم يوم من شعوره بما يسمى بالطاقة.

طبعا، ضع في الاعتبار إن المعالج بالطاقة لن يقول لك إنه يعالجك، إنما يقوم بتعديل طاقتك حتى يساعد الجسم في علاج نفسه، يريد أن يحمي نفسه من المسؤولية، لا يودك التخلي عن العلاج الحقيقي، ولكن لو تشاهد كل لقطات العلاج بالطاقة على النت ستجد إن رغم التحذير الذي يقدمونه في الهامش إلا إنهم يحاولون علاج المريض، فتجدهم مثلا يسألونه: “ما هي مشكلتك؟” أو “ما هي الآلام التي تشعر بها؟” أو “أين هي النقطة التي تشعر بالآلام فيها؟”، فيجيب المريض إن لديه ألم في المعدة أو الظهر أو الكلية وهكذا، وستجد إن بعض مواستر علم الطاقة يستخدمون الاصطلاحات الطبية التي حفظوها ليوهموا المريض بفهمهم لحالتهم، وبعد تمرير اليد على أجسادهم يسأل الماستر: “كيف تشعر الآن؟” أو “هل تشعر بتحس؟” أو “سيقول لك إنه يرى أو يشعر إنه أدخل الطاقة الإجابية في جسدك، وإنها بدأت بالعمل على المرض”، وهكذا، كل هذه إشعارات إنهم فعلا ينوون العلاج وليس مجرد مساعدة الجسم على العلاج.

أنواع الطاقات

هناك أنواع متعددة من الطاقة في الفيزياء، وهي إما معروفة تماما، وقد وضعت لها قوانين رياضية واضحة، ولها تطبيقات على أرض الواقع مثل طاقة الوضع والطاقة الحركية، التي تتفرع إلى طاقة كهربائية، وطاقة حرارية وطاقة ذرية قوية، وما اشبه، أو هناك أنواع مجهولة، فالعلماء يعرفون تأثيرها غير المباشر، ولها قياسات واضحة رغم جهلهم بمكوناتها، على سبيل المثال الطاقة الداكنة، فصحيح أن العلماء ليس لديهم أي تفسير لها، ولكن قياساتهم الفلكية لها ليس فيها أدنى شك، ويمكن حسابها رياضيا ونمذجتها بالكمبيوتر على مستوى المجرات.

أما علم الطاقة، فلا يوجد له أي رياضيات تفسره، ولا توجد له أي قياسات علمية ولو بصورة غير مباشرة، كل ما يتوفر في هذا الحقل هو سرد قصصي وصياغة كلامية جيدة، وتجارب شخصية غير مبنية على العلم، ومشاعر نفسية يشعر بها الشخص (كل هذه المشاعر لها تفسيرات علمية لا علاقة لأي منها بطاقة خفية).

ماستر الطاقة أو المشارك يشعر بمرور الطاقة في يده أو بجسده، ماستر الطاقة يشعر إن هناك طاقة متعرجة غير نظيفة في جسم المريض، ليس هناك أي شيء أبعد من ذلك، لا يوجد جهاز يستطيع قياس هذه الطاقة، ولا توجد تجربة واحدة تدل على وجودها، بل إن الطاقة هذه التي يستعرها الماستر والمشارك ليست من أنواع الطاقات المتعارف عليها، هي طاقة هو يستشعرها، ويستطيع أن يعدلها براحة كفه، ويستطيع ان يركزها في كريستالته، وأجهزته المنزلية، ويستطيع أن يحركها في شدة بقدونس، ويستطيع أن ينفثها في نار فمه التنيني، ويتمكن من نفضها بيده، كل هذه الأشياء المادية يستخدمها لتوظيف الطاقة، إلا إنه بمجرد أن يأتي العالم ليكشف عنها بأجهزته تختفي هذه الطاقة، وتستبدل بأعذار سخيفة، وأقبح تلك الأعذار إن العلم لم العلم غير قادر على معرفتها، لعله يكشف عنها في المستقبل يوما ما.

يذكرني ذلك بتنين كارل سيغان، أعيد طرح الفكرة التي طرحتها في حلقة سابقة، تخيل أقول لك إن لدي تنين في كراج منزلي، وأود أن تراه، أفتح باب الكراج، وإذا به فارغ من أي تنين، كراج اعتيادي، به عجلة دراجة، وعلبة صبغ، وأدوات، وطاولة، فتسألني: “أين التنين يا محمد؟”

فأرد عليك بإنه تنين خفي، فتقول لي كرجل عالم… فاهم… دارس: “لا بأس، سأرش ذرات الطحين على الأرض لكي نرى أثر قدم التنين”

فترد مرة أخرى: “نسيت أن أقول إن التنين دائما في حالة طيران، فلن يترك أثرا لقدمه”.

فتقول لي كعالم صبور ومستعد لتجربة تلو الأخرى لمعرفة الحقيقة: “لماذا لا نستخدم جهاز يقيس درجة حرارة نفثه؟”،

“لا، لا، التنين يصدر نارا باردة”،

“طيب، لماذا لا نرش الصبغ على التنين الخفي لنغطي جسده لكي نراه؟”.

“يبدو إنني دائما أنسى أن أذكر إنه تنين روحي، وليس تنين مادي” وهكذا، كل تجربة تلقيها علي أجد لها طريقة لتفاديها، وفي المحصلة النهائية نصل إلى إنه لا فرق بين تنين خفي روحي معلق في الهواء لا ترى آثار أقدامه، ينفث نار لا تستشعر، وبين تنين لا وجود له إلا في مخيلتك.

الكشف عن حقيقة علم الطاقة

قد يقول شخص بعد أن ذكرت أنواع الطاقات المعروفة علميا، “ربما لم يصل العلم إلى علم الطاقة بعد، كما إن العلم لم يكشف عن طاقة الذرة التي تنفجر لتدمر مساحات شاسعة إلا بعد حين، فلماذا لا يكون علم الطاقة كذلك؟ قد نكتشفها في المستقبل.” يبدو إن هذا المنطق سليم، فالعلم لم يتوصل إلى كل شيء بعد، هناك زوايا لم يكشفها كلية، وقد يكشف لنا سرا ما في علم الطاقة أو العلاج بالطاقة، أليس كذلك؟

من يعتقد إن العلم لا يفهم كيف تؤكل الكتف فقد استهان بقدرته على معرفة الحقائق، العلم كشف زيف ماستر علم الطاقة بما لا يدع لأحد أن يصدقه سوى المصر على تصديقه. بدلا من أن أذكر الدراسات التي حاولت أن تكشف مجال الطاقة الوهمي ولم تكتشفه سوف أحرج مصدقي علم الطاقة ببحث عملته طفلة حينما كان عمرها 9 سنوات، ونشرته في مجلة مرموقة بعمر 11 سنة، بحث يثبت إن علم الطاقة هراء بلا أدنى شك. على افتراض إن العلم لا يستطيع اليوم الكشف عن هذه الطاقة الخفية، وجدت إميلي طريقة رائعة لحل هذه المشكلة.

عملت إميلي روزا مع أمها وأبيها دراسة علمية بسيطة وفاضحة لمن يدعي إنه يستشعر الطاقة، نشرت الورقة المعنونة بـ “نظرة قريبة للعلاج باللمس” (A Close Look at Therapeutic Touch) في مجلة جاما العلمية (JAMA) سنة 1998 – المجلة المرموقة جدا، إمباكت فاكتور 44.4 لعام 2016 – رقم عال جدا، أحضرت 21 مختصا في العلاج بالطاقة، ممارسون متمرسون لهذه المهنة، ثم طلبت منهم أن يستشعروا طاقتها هي وهم يرونها بأعينهم، فاستطاعوا كعادتهم أن يستشعروا طاقتها واختاروا يدها التي يفضلونها. إذن، لدينا الآن 21 شخصا كل منهم يستطيع استشعار الطاقة. إلى هذا الحد وكل شيء يسير بسلام تام لمعالجي علم الطاقة، ولابد أن ننتبه لقضية حساسة، القياس لا تقوم به أجهزة حتى لا يعترض أحد إن العلم غير قادر اليوم على قياس الطاقة، بما إن المختص هو “جهاز” القياس سيعرف الباحث ما إذا كان المختص فعلا يقيس شيء أو إنه يتوهم القياس.

أعطيت الفرصة لكل شخص الفرصة بالتهيؤ عن طريق التأمل وهو يجلس على كرسي وأمامه طاولة، أمام كل المختص حاجز لا يرى من خلاله ما هو أمامه، وأمام الحاجز جلست إميلي، يضع المختص يديه عبر حاجز من خلال فتحتين لتمر إلى جانب إميلي، بحيث لا يستطيع المختص أن يرى كيفه ولا كفيها، كان بين كفي المختص الذين تتجهان راحتهما إلى الأعلى مسافة مسطرة واحدة (تخيل شخص يضع يديه بشكل دعاء على طاولة).

أميلي تختار يد بعشوائية، ثم تمرر يدها فوق يد المختص على مسافة 8-10 سم، وتطلب منه يقرر في أي يد من يديه استشعر الطاقة، مررت أميلي يدها بهذه الطريقة 10 مرات لكل شخص، كل شخص حصل على 10 فرص لإثبات قدرته على معرفة من إين تأتي إليه الطاقة.

لو إن مختصوا علم الطاقة على حق في معرفتهم واستشفافهم وشعورهم بالطاقة لكان بإمكانهم أن يعرفوها بدقة 100٪، ولكن لم تكن إميلي بهذه الصرامة، كان يكفيها أن يكونوا صحيحين بقدر 80٪، ولكن إن كان إجابات مختصو علم الطاقة صحيحة بنسبة 50٪ فذلك يعني إنهم خاطئون بنسبة 50٪ أيضا، وهذا يعني أن لا فرق بينهم وبين رمي عملة عشوائيا واختيار اليد بحسب نتيجة العملة. ما الذي تتوقع حصل في هذا الاختبار؟ فكر قبل أن تكمل، تستطيع أن توقف البوكاست لتفكر في رقم ما.

لقد كانت النتيجة إنهم كان مخطئون بمتوسط نسبة 44٪. يعني إنهم كان خاطئون أكثر من العشوائية بقليل، وهذا يعني إن اختياراتهم لا تفرق عن الاختيار العشوائي، وإن لا يستشعرون شيئا ولا هم يحزنون، وهذه ضربة قاصمة ليس من حيث إن كانت هناك طاقة لا نفهمها، إنما مدعي علم الطاقة لا يعرفون إن كانت هناك طاقة من عدمه إن اختبروا اختبارا علميا.

من يحتج الآن إن العلم لم يصل إلى الطاقة، وربما سيصل لفهمها يوما ما، نقول له: مختصو علم الطاقة لا يستطيعون استشعار الطاقة التي يدعون قدرتهم على تعديلها. فعن أي طاقة تتكلمون بالضبط؟ ولو رجعنا لمثال التنين، لأوضح هذا الاختبار عوضا عن عدم قدرة الناس على رؤية التنين، إنني أنا شخصيا لا أستطيع أن أراه.

كعادة المختص بعد تجربة كهذه، بدأت الأعذار تنهال على إميلي، يدهم أصبحت حارة (رغم إن المفروض أن يبقى المختص لمدة ٣٠ دقيقة في قياس الطاقة بيده من غير أي مشكلة)، أو قالوا حساسية اليد انخفضت بعد فترة، وهكذا، كل هذه الأعذار قدموها بعد أن عرفوا النتائج وليس قبلها، هل تتذكر الأعذار التي كانت تقدمها ديبرا لأبنائها وميري معها، كانتا تقولان إن السبب في تفاقم حالة الأم أو حالة ديبرا هو الطاقة السلبية للأبناء، دائما ستجد مثل هذه الأعذار تنتظرك إن لم ينجح مختص علم الطاقة بالعلاج، دائما ستكون أنت السبب، نيتك لم تكن صافية، إيمانك لم يكن كافيا، وهكذا.

هل تتذكر آخر مرة ذهبت للطبيب فأعطاك دواء للعلاج أو أجرى عليك عملية جراحية، ثم لم تعالج وقالك لك إن نيتك أو إيمانك هو السبب في تدهور العلاج؟ هل فتحت الورقة التي تشرح تفاصيل الدواء ووجدت فيها إنك تحتاج لإيمان لكي تنجح الحبة بالعلاج، بالطبع لا، لن تجد هذا الشيء، وإن وجدته لابد أن تبدأ بالشك في العلاج، فقد قدمه لك بائع الوهم.

ماذا عن الأوراق العلمية التي تبين إن الطاقة قيست بطريقة ما، وحتى بأجهزة؟ قام باحثوا ورقة اميلي بالنظر في 853 ورقة علمية أقيمت على العلاج باللمس، فوجدوا إنها كانت تنقسم إلى أوراق سيئة من حيث إنها كانت تعتمد السرد القصصي (وقد ذكرت في حلقة سابقة إن السرد القصصي لا يعني شيء بالنسبة للعلم، فكل شخص له قصته، وهو لا يعرف الحقائق من خلال القصص)، وإلى أوراق تدحض العلاج باللمس، وكانت هذه هي الأدق، وبعضها يبين تأثيرات بلاسيبوا، وسنأتي لتأثيرات بلاسيبو بعد أن حشرنا عشاق الطاقة في زاوية ضيقة جدا، للنهي الوهم الأخير.

الأوراق العلمية التي تدعم العلاج بالطاقة

هناك أوراق منشورة تدعم العلاج بالطاقة، ماذا عنها؟ أليست تلك أدلة على صحة علم الطاقة؟ لا يكفي أن تكون هناك أوراق منشورة، بل لابد من أن يتبع نشر هذه الأوراق التأكيد، حيث يقوم علماء آخرون بإعادة التجربة للتحقق من صحة ادعاءات الورقة الأولى، وذلك لمعرفة ما إذا قام الباحثون ببحث صحيح، ولم يكونوا منحازين، ولم يسردوا مجرد قصص لإثبات إيمانيتاهم. إلى يومنا هذا لا يوجد بحث يثبت صحة وجود أي طاقة إلا ودحضها علماء آخرون، من يدعي إن هناك بحث يثبت صحة العلاج بالطاقة عليه أن يتحقق أولا من عدم وجود بحث يدحضه.

يذكرني عن بحث نشره عالم حول إمكانية تخاطر الببغاء مع البشر أو قراءة أفكارهم، حيث وضع ببغاء في الطابق الأول، وشخص آخر في الطابق الثاني في غرفة مغلقة، وكان لديه عدة مظاريف كل منها يحتوي على صورة مختلفة، يفتح المظروف عشوائيا ويختار صورة، وإذا بالببغاء يذكر مكونات الصورة، فمثلا أخرج صورة وردة، فقال الببغاء إنها وردة، لا تنسى إن الببغاء لا يستطيع رؤية الصورة بأي حال من الأحوال، وبعد ذلك يخرج صورة لرجلين يلبسان مايوهات، فيقول الببغاء “شخصان عاريان”، وهكذا، قامل الباحث بتصوير هذه الحادثة ليثبت صحة كلامه، ونشر ورقة علمية على النتائج.

بعد أن شاهدت الفيديو توجهت للنت للبحث عن آراء علماء آخرين، وإذا بي أكتشف إن العلماء بينوا زيف الدراسة وهشاشتها، حيث إن الباحث قام بحذف المرات التي لم يتكلم فيها الببغاء حينما أخرج الشخص صورة من المظروف، وأبقى فقط على المرات التي تكلم فيها. تخيل إني أضع يدي خلف ظهري، ثم أقدمهما لك، وأسألك أن تخبرني بأي يد وضعت عملة معدنية، مرة تقول لي في اليد اليمنى، ومرة تقول لي في اليد اليسرى ومرة تقول لي لا أدري. كباحث أود تزييف الحقائق أحذف كل المرات التي قلت فيها لا أدري، وأبقي على المرات التي ذكرت فيها الإجابة، وهذا يعد تحريفا للحقيقة، حيث إن مثل هذه المرات التي لا يدري فيها الشخص مكان العملة يعادل خطئه في معرفة مكانها.

بالطبع هذه الدراسة ليست لها علاقة في علم الطاقة ولكني أردت أن أبين إن الدراسات في علم الطاقة تعدل على النتائج لتثبت الفرضية التي آمن بها الباحث، بدلا من أن يقبل النتائج كما هي ويعدل على إيمانياته.

نحن لا نحتاج لأن نثبت إن إيمانياتنا صحيحة، نحتاج أن نتحقق من صحة أو خطأ إيمانياتنا، ولا يهم أن تكون خاطئة، لأننا نريد معرفة الصحيح من الخاطئ، الحق من الباطل، الكذب من الصدق، المنهج العلمي أنشئ على مدى عدة قرون لكي ينظم تفطير البشر لفهم الطبيعة، ومن فهم الطبيعة يستطيع التحكم فيها، لا أن يتوهم إنه تحكم فيها.

إلى هذا الحد، نقف، ونكمل في الحلقة القادمة البلاسيبو، ولماذا يصدق الناس علم الطاقة. بقي الكثير في هذا الموضوع، ويحتاج إلى حلقة خاصة له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى