بيولوجيافلك

SW185 اكتشاف دلائل على الحياة في كوكب الزهرة

كنت أعمل على حلقة العين الجزء الثاني، وأثناء أخذ قسط من الراحة، فتحت يوتيوب، وإذا بمؤتمر للجمعية الفلكية الملكية، أثار انتباهي، وكنت أفكر إن هذه كانت أول مرة أرى مؤتمرا للجمعية، لابد أن الموضوع مهم، فشغلت المؤتمر، ولاحظت أنه قد بدأ، كانوا يتكلمون عن غاز الفوسفين على الزهرة، وحركته في الأجواء، وهكذا، فلم يثر اهتمامي كثيرا، ولكن مع ذلك، قلت أرجع للبداية حتى أرى إن كان هناك أمر ما يستحق المتابعة، وكانت المفاجأة، خبر هائل جدا، يستحق تركيز كامل، لعله أقوى خبر عن الحياة، وحتى أنه أقوى من كل الأخبار عن الحياة في المريخ أو أقمار المشتري أو ما شابه، لقد وجدوا غاز الفوسفين في مكان من المفروض أن لا يكون موجودا، ووجود هذا الغاز على كوكب الزهرة قد يكون دليلا على وجود حياة ميكروبية تنتجه[1]مؤتمر الجمعية الفلكية الملكية على يوتيوب. واو!

دعوني ألخص الموضوع، ثم أدخل في التفاصيل، استخدم العلماء مرصدين لرصد السحب العليا في كوكب الزهرة، ومن خلال مراقبتهم لها، لاحظوا أن هناك كميات من غاز الفوسفين، هذا الغاز موجود على الأرض وعلى كواكب أخرى، وهناك ثلاث طرق لإنتاجه، إما أن تكونه حياة عضوية، أو تكونه في المختبر، أو تكونه طبيعية خارج المختبر، ولكنها كلها صعبة جدا، ولا يمكن للغاز أن يتكون بها بالكميات المكتشفة على الزهرة إلا من خلال ميكروبات حية كما يظن العلماء، بالطبع العلماء حذرون جدا من الادعاء أنهم متأكدين أن الفوسفين أنتجته حياة ميكروبية مؤكدة، ولكنهم بحثوا في جميع الاحتمالات التي يعرفونها عن إمكانية تكوين الغاز، ولم يجدوا شيئا منطقيا سوى الحياة البيولوجية. وقد نشروا ورقة في مجلة نيتشر المرموقة حول الموضوع، وكذلك لديهم ورقة من 100 صفحة تبين التفاصيل التي فكروا فيها عن استبعاد احتمالات تكوين الغاز بطرق طبيعية غير الحياة.

لا تنسى أن تدعم السايوير بودكاست من خلال Patreon، كن مع الداعمين.
Become a Patron!

حتى الراحل كارل سيغان، والذي يعرفه الجميع من خلال برنامجه الأول كوزموس، والذي يكمل مسيرته نيل ديجراس تايسون، كتب ورقة علمية مع العالم هارولد مورويتز Harold Morowitz في مجلة نيتشر عام 1967 حول الموضوع[2]Life in the Clouds of Venus؟، حيث كان كارل سيغان يعتقد أن كوكب الزهرة قد يكون مؤهلا للحياة في أجوائه العليا، يقول في ملخص الورقة: “في حين أن ظروف سطح كوكب الزهرة يجعل فرضية الحياة هناك غير قابلة للتصديق، إلا أن غيوم كوكب الزهرة قصة مختلفة تمامًا. كما أشرنا منذ بضع سنوات، الماء وثاني أكسيد الكربون وضوء الشمس – المتطلبات الأساسية لعملية التمثيل الضوئي – وفيرة بالقرب من الغيوم. منذ ذلك الحين، قُدمت أدلة إضافية جيدة على أن السحب تتكون من بلورات ثلجية في قممها، ويبدو من المرجح أن هناك قطرات ماء باتجاه قيعانها. يوجد أيضًا دليل مستقل على بخار الماء. تبلغ درجة الحرارة عند قمم السحابة حوالي 210 درجة كلفن (-63 C)، وفي قيعان السحابة ربما تكون على الأقل 260-280 درجة كلفن (6.85C). الضغط الجوي عند مستوى درجة الحرارة هذا حوالي 1 ضغط جوي… إذا تم تحريك كميات صغيرة من المعادن إلى الغيوم من على السطح، فليس من الصعب بأي حال تخيل بيولوجيا محلية في سحب كوكب الزهرة. ما يلي هو أحد هذه التكهنات.”

كوكب الزهرة ثاني كوكب عن الشمس، لونه بيج يميل إلى البرتقالي أو البني، وهو أقرب كوكب إلى الأرض، شبيه بالأرض من حيث أنه صخري، قطره 6,052 كيلومتر، في حين الأرض قطرها 6,371 كم، فهما متقاربان من حيث الحجم، وكذلك من حيث الكتلة، ولذا يطلق عليه البعض “شقيق الأرض” أو “الشقيق الشرير للأرض”، يدور حول نفسه بعكس غالبية الكواكب في المجموعة الشمسية. الضوء ينطلق من الشمس إلى الزهرة في ست دقائق، بينما يصل إلى الأرض خلال 8 دقائق، رغم أنه ثاني كوكب بعدا عن الشمس، إلا أنه أكثر الكواكب حرارة في المجموعة الشمسية، تصل حرارته على السطح إلى 471 درجة مئوية، إلى درجة أن الرصاص ينصهر عليه، وتعود حرارته العالية إلى كثافة غلافه الجوي الذي يحبس الحرارة بالداخل- احتباس حراري شديد.

يعتقد العلماء أن الزهرة احتوى على محيطات في قديم الزمان، ولربما كان مؤهلا لأن تكون عليه حياة، وقد يكون أول كوكب في المجموعة الشمسي أهلية للحياة، وأما الآن، فأجواؤه مليئة بثاني أكسيد الكربون، والضغط يصل إلى 90 ضغط جوي، أي ما يعادل النزول 900 متر تحت سطح البحر، فلا يمكن للحياة أن تعيش على سطحه، ولكن العلماء وجدوا طريقة لكي تعيش كائنات حية على هذا الكوكب، حيث لا تعيش على السطح الحار، إنما تعيش في أجواء شبيهة بأجواء الأرض، في السماء حيث الغيوم، فالضغط يعادل الضغط على الأرض، ودرجة الحرارة حوالي 20-40 درجة مئوية.

كيف كشف العلماء عن غاز الفوسفين الموجود في أجواء الزهرة؟ لقد استخدموا مرصدين لذلك، أحدهما James Clerk Maxwel في هاواي، وكذلك المرصد المكون من عدة تلسكوبات راديوية Atacama Large Millimeter/Sub Millimeter Array in Chile، أو مرصد ALMA، هذه التلسكوبات ليست بصرية، إنما راديوية، أي أنها تلتقط إشارات راديوية لا تستطيع العين رؤيتها. وجهوها إلى الزهرة لرصد الأشعة المنبعثة من الغلاف الجوي للكوكب، إذا كان الفوسفين موجودا في الغلاف الجوي فسيمتص بعض هذه الموجات الراديوية، بدرجة معينة، وإذا بهم يكتشفون الفوسفين.

غاز الفوسفين  PH3 أو جزيئ مكون من ذرة الفوسفور وثلاث ذرات من الهيدروجين، وكأنها تُكون شكل هرمي قمته الفوسفور، وثلاثة أرجل من الهيدروجين، ليس له لون، وقابل للاشتعال، وإذا كان خالصا فلا رائحة له، ولكنه في العادة لا يكون خالصا، وبه مواد أخرى تكون له رائحة مثل الثوم أو السمك العفن، وهو غاز سام، الفوسفين موجود على الأرض، وهو موجود بأمعائنا (جزء من الغازات التي تخرج على شكل ريح) أو المستنقعات، أو حتى في خروج البطريق الغرير Badger، وهي تتكون عن طريق بكتيريا لا تعتمد على الأكسجين Anerobic، وبحسب المؤتمر فإن العلماء إلى الآن لا يعلمون أي البكتيريا التي تصنع الفوسفين، وبحسب نيويورك تايمز، لا أحد يعرف كيف تنتجها البكتيريا[3]Life on Venus? Astronomers See a Signal in Its Clouds، العلماء يجدونه مع البكتيريا، ولكنهم لم يروا إلى الآن كيفية تكونها، وهذه نقطة حساسة.

الفوسفين أيضا موجود على كواكب أخرى غير الأرض والزهرة مثل المشتري وزحل، ويمكن تبرير تكونه هناك بسبب الضغط العالي والحرارة العالية، لذلك يعتقد العلماء أن بإمكان الجزيء أن يتكون بضغط الذرات بقوة وحرارة شديدتين لتشتبك الذرات في جزيء، بالرغم من وجود الفوسفين في أجواء الكوكبين، إلا أنهما يختلفان تماما عن أجواء الزهرة التي تسمح بوجود حياة، وحتة تكون الفوسفين بالكميات الموجودة هناك بإمكان حياة ميكروبية لا تعتمد على الأكسجين تكوينها، وقد بحث العلماء بطرقة أخرى بإمكانها انتاج الفوسفين على الزهرة فلم يجدوها (سيتبين في الأيام القادمة بعد نظر علماء آخرين في الموضوع لمعرفة إن كانت هناك طرق أخرى لإنتاج الفوسفين لم يفكر بها مكتشفين الفوسفين على الزهرة).

يعتقد العلماء أن من المفروض أن لا يبقى الفوسفين في أجواء الزهرة، وذلك بسبب الضوء فوق البنفسجي القادم من الشمس، فهو يتسبب بتفكيكه، وكذلك الحمض بالأجواء تقضي عليه، ولذلك، لابد أن هناك شيء يعيد تكوينه مرة أخرى، وهنا مربط الفرس، حيث لو تكون الفوسفين على السطح في فترات قديمة سابقة، لما تبقى منه شيء، وهذا يعني أن هناك تدوير له، ينفد بسبب الضوء فوق البنفسجي، ويعاد تدويره مرة أخرى من خلال شيء ما، وفي ظل الظروف المحيطة، يعتقد العلماء أن الحل الأكثر منطقية هو وجود ميكروبات تنتجه.

أما عن كيفية تكون هذه الميكروبات، فيظن العلماء أنها لو كانت فعلا موجودة، فلربما تكونت في قبل 700 مليون سنة في الماضي قبل أن تصبح الزهرة مكان غير مناسب للحياة، وبإمكانها أن تصعد بتيارات يطلق عليها اسم أمواج جاذبية، وهي عبارة عن رياح مندفعة، تصل إلى الجبال، فتتزحلق متذبذبتا عليه مرتفعة إلى الأعلى إلى أن تصل إلى الطبقات العليا من الأجواء فتتفرق وتعود للسطح، فتنقل الميكروباتفي الطبقات العليا من الجو، لتعيش بداخل قطرات حمض الكبريتيك والماء وتتكاثر هناك.

كانت هناك العديد من المهام التي أرسلت إلى الزهرة[4]Past missions to Venus، والكثير منها للاتحاد السوفيتي، ولكن أبرزها كانت مركبتين فضائيتين إلى الزهرة حوالي عام 1985، وكان على متنها بالونات، نزلت المراكب على السطح، وسرعان ما دمرت المركبتان، بسبب الحرارة والضغط الشديدين، طارت البالونات على ارتفاع 54 كيلو متر من السطح، وبقيتا تعملان أكثر من 46 ساعة، قاست البالونات درجات الحرارة والضغط وسرعة الرياح وكثافة الأجواء، لاحظ العلماء أن الأجواء في الغلاف الجوي تعادل تلك التي في الأرض، لكن سرعات الرياح كانت تعادل سرعات رياح الأعاصير الشديدة على الأرض حوالي أو 320 كم/س، وقد مُلأت الأجواء ثاني أكسيد الكربون مع حمض الكبريتيك بنسبة 90%.

اختياري لهاتين المهمتين رغم الكثير من المهام التي توجهت للزهرة، أن عدد الرحلات التي ذهبت خصيصا له، واقتحمته كانت ثلاثة (أحتاج تأكيد لهذه المعلومة)، أما غالبية الرحلات الأخرى كانت تمر بالزهرة لتلتقط معلومات من الفضاء، السبب الآخر يرجع لاستخدام البالونات، فبما أن سطح الكوكب شرس جدا على المراكب التي ذهبت إليه، إلا أن الأجواء العليا منه آمنة نسبيا، وباستطاعة وكالات الفضاء إرسال بالونات تطير في أجوائه، وتغرف عينات، وتحللها، وبالفعل، وقبل هذا الإعلان من الجمعية الفلكية الملكية، ناسا كانت تخطط لإرسال بالونة لتطير بأجواء الزهرة [5]How a high-flying balloon could search for life on hellishly hot Venus، ستطير بسرعة الرياح السريعة جدا، وستدور حوله دورة كاملة كل ستة أيام، ولدى ناسا النية لدراسة الزلازل من خلال الضغط المنخفض التردد في الأجواء، وكذلك من أهداف الرحلة معرفة ما إذا كانت هناك حياة في الأجواء، فحتى قبل الخبر المذهل، كانت هناك نية لذلك، وهذا يعني أن الآن ستركز ناسا على هذا الموضوع أكثر، ولربما تركب أجهزة جديدة على البالونات لاستكشاف ما إذا كانت هناك حياة ميكروبية بالتحديد، أو قد تبدأ ناسا ووكالات الفضاء الأخرى بالتجهيز لمهام البحث عن الحياة هناك.

فإذا وجدوا حياة على الزهرة، فهذا خبر عظيم جدا، وستكون ثاني نقطة إحصائية بعد الأرض على وجود الحياة في الكون، وستكون منعطفا جديدا في فهم تنوع الحياة، وقبول إمكانية حدوثها حتى في الأماكن الصعبة، لماذا اكتشاف الحياة على الزهرة سيكون مهما، لأننا سنستخدم نفس الأجهزة الدقيقة التي تصور الكواكب من بعيد لمعرفة ما إذا كان هناك فوسفين عليها، فلو اكتشفناه على كواكب بعيدة جدا، فقد يعني ذلك أن هناك حياة أخرى عليها، وبذلك نضيف نقاطا جديدة للإحصائية، ولا ننسى، أن مع تقدم الوقت، سنعرف كيف نكشف عن الحياة بطرق أخرى أيضا، كلها تساهم في رفع احتمالية وجود الحياة في كواكب أخرى. ثم فكر في الأسئلة التي يمكن أن نطرحها حينما نكتشف الحياة في الزهرة، هل نشأت الحياة على عليها أولا ثم الأرض؟ هل انتقلت إلى الأرض بطريقة ما وفيما يطلق عليه بالتبذر الشامل Panspermia [6]Panspermia، أو ربما الأرض كانت الأولى، ثم انتقلت إلى الزهرة، هل كانت الحياة على الزهرة أكثر تعقيدا في السابق، وهذا سيدعونا للبحث عن بقايا الحياة على السطح (إذا كان ذلك ممكنا).

ولكن لو أننا لم نكتشف الحياة، واتضح قطعيا أن لا وجود لها، فسيبدأ العلماء بمحاولة فهم كيف تكونت مادة الفوسفين رغم أن العلماء نَحُّوا الكثير من الاحتمالات المختلفة، ولكن مع ذلك كله، الأدوات التي تبحث عن الحياة أصبحت أكثر دقة، والأماكن التي يبحث العلماء فيها عن الحياة خارج الأرض تزايدت، شعوري يدفعني ألا أشك بوجود حياة، سواء في المجموعة الشمسية أو خارجه، كل أملي أن أعيش لأرى أول خبر عن اكتشاف حياة خارج الأرض، بعدها بإمكاني أن أموت بسلام، لأنني سأعرف أننا لسنا وحيدون في هذا الكون الفسيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى