خيال علميعلمفلكفيزياء

SW118 الغزو الحقيقي للفضاء

الغزو الحقيقي للفضاء

مقدمة

منذ أن أرسل القمر الصناعي سباتنيك إلى الفضاء سنة 1957 وإلى يومنا هذا لقد أطلقت أكثر من سبعة آلاف مركبة فضائية، هذه المراكب إما حامت حول الأرض أو القمر أو الشمس، بعضها توجه إلى كواكب وأقمار المجموعة الشمسية، وعدد محدود خرج منها. قد يعد ذلك غزوا للفضاء قديما، أما الآن فبمقاييس معرفتنا لحجم الكون، نحن لم نغادر خارج الفناء الخلفي لمنزلنا الأرض. كما أسماه نيل ديغراس تايسون.

الغزو الحقيقي للفضاء والسفر إلى مسافات شاسعة قد يبدأ في السنوات القادمة، فبذرة هذه الفكرة زرعت قبل أسابيع من قبل شركاء أسماؤهم لامعة، أحدهم هو العالم ستيفن هوكنغ، ومارك زاكربيرغ المؤسس والرئيس التنفيذي لفيسبوك، والملياردير الروسي يوري ميلنر، لقد أعلن عن التوجه الجديد والمنطقي لقطع مسافات كونية لم نكن نحلم بها من قبل، كان ذلك في مؤتمر “بريكثرو ستارشوت” Breakthrough Starshot، الذي افتتحه الملياردير يوري بطموح كبير.

لا تنسى أن تدعم السايوير بودكاست من خلال Patreon، كن مع الداعمين.
Become a Patron!

كان على طاولة المؤتمر بالإضافة ليوري ملينر وستيفن هوكنغ (لم يكن مارك زاكربيرغ موجدا) العالم فريمان دايسون (Freeman Dyson)، وهو فيزيائي نظرية ورياضي، وله تصورات مستقبلية كثيرا ما يطرحها في مقالاته وكتبه، وكذلك آن درايان (Ann Druyan)، وهي تتخصص في إنتاج البرامج التلفزيونية العلمية والكونية، وقد اشتركت في انتاج وإعداد برنامج كوزموس لكارل سيغان، وهي التي مسؤولة على الفريق الذي اختار الموسيقى التي إرسلت مع المركبتين فويرجر 1 وفويجر 2. وأيضا البروفيسور آفي لوب (Avi Loeb) فيزيائي نظري، مختص بالفلك، يعمل بجامعة هارفرد، واختارته مجلة التايمز لكونه واحد من 25 شخصا من أكثر الناس المؤثرين في الفضاء، وأيضا كان معهم مي جيميسون (Mae Jemison)، وهي رائدة فضاء من ناسا، أول امرأة سمراء سافرت إلى الفضاء، وبيت وردن (Pete Worden) مدير سابق لمركز إيمز للأبحاث في ناسا، يبدو أنه تقاعد من عمله سنة 2015 لهذا المشروع، أسماء من الواضح أنها للتعبئة، ومن جانب آخر ممول لمشروع كبير.

الوصول إلى ألفا سانتوري

لم نكن نحلم بوصولنا إلى النجم الثنائي ألف سانتوري إلا بعد قرون طويلة في المستقبل، فالمسافة بيننا وبينه كبيرة، والمراكب ليست سريعة بما فيه الكفاية، ألفا سانتوري هو أقرب نجم إلى الأرض من بعد الشمس، وبالرغم من أننا نستخدم اصطلاح “أقرب” إلا أن المسافة بيننا وبينه هي 4.37 سنة ضوئية، أي أن الضوء – الذي يتحرك بالسرعة الكونية القصوى – يصله بعد حوالي أربع سنوات وثلث، أما المسبار فيوجر – المنطلق بأقصى سرعة من نتاج بشري – يسبح بسرعة 17 كيلومتر في الثانية، ولو أنه كان متوجها إلى ألفا سانتوري فسيصله بعد 70,000 سنة.

من خلال المقترح الثوري “ستارشوت” ستتمكن مراكب فضائية من الانطلاق إلى النجم الثنائي بسرعة تعادل ٢٠٪ من سرعة الضوء، وستصل إليه في غضون ٢٢ سنة، وستصور وتقيس معلومات مختلفة له لإرسالها إلى الأرض، حتى تصل خلال حوالي ٤ سنوات بعد ذلك (لا ننسى أن الاتصالات اللاسلكية هي أيضا ضوء، وهي أيضا تحتاج لأربع سنوات وثلث للوصول إلى الأرض من ألفا سانتوري)، سيتمكن العلماء الذين أرسلوا تلك المراكب من رؤية النجم خلال الصور ودراسة معلوماته بعد أن كبروا ٢٦ سنة.

المشروع ستارشوت

فكرة المشروع تتلخص في إرسال مئات أو آلاف المسابير الصغيرة سنويا (كل منها بمساحة طابع، وبسمك بطاقة الائتمان)، ستتحرك باستخدام أشرعة مدفوعة بضوء الليزر الشديد القوة كما تتحرك السفن الشراعية بدفع الهواء، وبما أن هذه المسابير رخيصة نسبيا، فستغادر الأرض في رحلة ذهابا بلا عودة، وسيكون هدفها هو إرسال معلومات عن الفضاء والنجوم والكواكب إلى الأرض فقط.

المسابير الصغيرة ستحمل على متنها أدوات قياس مختلفة مثل كاميرا، وأجهزة اتصال، ودَفّاعات فوتونية، ومصدر للطاقة، كل تلك الأجهزة تعادل ما كان يوضع في مسابير السبعينات في حيز بحجم ثلاجة، بفضل التكنولوجيا الحديثة أصبح بالإمكان تصغيرها ووضعها في شريحة صغيرة، وبتكلفة تعادل قيمة الهواتف الذكية الحالية.

وبفضل اكتشافات تكنولوجيا النانو سيتمكن العلماء من انتاج أشرعة من مواد فائقة، بحيث تكون رقيقة جدا في سماكتها وخفيفة في كتلتها، وكذلك ستكون قوية في تماسكها لتسمح بإنتاجها بمساحات كبيرة نسبيا، ستمسك الأشرعة بأجهزة القياس الصغيرة وستجرها إلى الفضاء بدفع أشعة الليزر.

مبدأ دفع المراكب بالضوء يعود إلى القرن الماضي، ولكنه لم يكن قابلا للتطبيق إلا في عصرنا هذا، وقد جرب العلماء في ناسا إرسال المسبار “نانو سيل دي-2” NanoSail-D2 إلى الفضاء سنة 2010، لقد كان بداخله شراعا مطويا، فتح حينما وصل المسبار إلى الفضاء، ثم دار حول الأرض بدفع فوتونات الشمس، بإمكان المسابير التحرك بدفع فوتونات الشمس، ولكنها لن تتعجل إلى سرعات كبيرة بحيث تصل إلى النجوم البعيدة في وقت قصير.

لذلك فإن مشروع “ستارشوت” يعتمد على الليزر لدفع المسابير بقوة أكبر، ستنشأ عدة أجهزة كبيرة منسقة على شكل مصفوفة لإطلاق أشعة الليزر، وستجمع هذه الأضواء في حزمة ضوئية مركزة، ليكون مجموع الطاقة فيها هو 100 غيغا واط – طاقة كبيرة جدا. تسلط هذه الأشعة على أشرعة المراكب، لتعجيلها بقوة كبيرة بحيث تصل إلى 20% من سرعة الضوء في غضون دقائق، لو أن مركبة من هذا النوع ارادت أن تدور دورة كاملة حول الأرض، لاستغرقت ٠.٧ جزء من الثانية.

متناقضة فيرمي

نحن حياة ذكية ونريد أن نرسل مسابير متعددة إلى الفضاء، أي أنه سيكون غزوا كاملا للفضاء، لن نرسل مسبارا واحد، ستكون هناك مسابير كثيرة خلال السنة، سنغزو المجرة غزوا كاملا، وسنرى الكثير بسبب هذه المسابير، نحن حياة ذكية، أين هي الحياة الذكية الأخرى في الكون التي تعتمد نفس هذه الفكرة؟ (تبدو أن هذه الفكرة – من الناحية المنطقية – أنها ستنجح)، أيضا الحياة الفضائية؟ لم نرها بعد، ولم نر آثارها، طبعا دعك من بعض الذي يدعون أنهم رأوا UFO، كل هذه الأمور لم يتوفر فيها الدليل الكافي لكي تثبت صحتها، وعادة ما تكون الأدلة المطروحة لصالح جانب “اليو إف أو” ليست إلا تزييفا أو تفسيرا خاطئا للصور أن مشكلة سيكولوجية في الأشخاص الذين يتحدثون عن اختطافهم على سبيل المثال، وهكذا.

لماذا على مدى الحياة البشرية كلها لم يحدث وأن رأينا كائنات تظهر لنا كما في الأفلام الخيالية، فكر في الأمر قليلا، ولنضع النقاط على الحروف، ولنذكر متناقضة فيرمي (وهذا الموضوع قد تطرقت له في السابق في حلقة قديمة جدا).

أولا، نحن نعلم أن عمر الكون هو 13.8 مليار سنة، وعمر الأرض هو 4.5 مليار سنة، ذلك يعني أن الأرض تكونت في الثلث الأخير من عمر الكون، الأرض حديثة نسبيا.

ثانيا، المجرة عمرها حوالي 13.2 مليار سنة، أي أنها تقريبا بقدم الكون.

ثالثا، المجرة تحتوي على 200-400 مليار نجمة، وبعضها أقدم من شمسنا بمليارات السنوات.

رابعا، الكثير من النجوم – المليارات منها – هي في الواقع مجاميع نجمية، كما هي في المجموعة الشمسية، أقصد أن هناك كواكب تدور حول هذه النجوم، إن كان كذلك، فلابد أن وسط كل تلك المجاميع تكون هناك كواكب تسمح للحياة كما هو الحال على الأرض، وسيكون الكثير من هذه يحتوي على حياة، وبعد ذلك، رغم أن الفرص أقل إلا أنه ستكون هناك حياة ذكية كما هو موجود على الأرض. تذكر أننا نتكلم عن المليارات، الاحتمالات من المفروض أن تكون كبيرة لوجود حياة عليها.

خامسا، إن كانت هناك حياة ذكية، إذا لابد أن بعضها أنشأ حضارات، وستكون هذه الحضارات قديمة، أقدم من حضارتنا، ربما عمرها مليارات السنوات.

الآن نأتي لمتناقضة فيرمي، إن كانت هناك حضارات أخرى في المجرة، وهذه الحضارات قديمة، فلابد أن لديها تكنولوجيا رهيبة متقدمة جدا عما لدينا حاليا، تخيل أن التكنولوجيا التي لدينا الآن عمرها 400 عام (على اعتبار أن المنهج العلمي بدأ قبل حوالي 400 عام في الماضي تقريبا)، فكيف ستكون تكنولوجيا الحضارات التي عمرها يرجع إلى ملايين أو مليارات السنوات. هذه الحضارات لابد أن لديها مركبات فضائية، وهذه المركبات تستطيع أن تقطع المجرة كلها حتى لو لم تسير بسرعة قريبة من الضوء، فعمر الحضارات هذه هو قديم، ويكفيها مليون سنة، حتى 10 ملايين سنة للمرور بالمجرة كلها، وإن لم تستطع أن تسافر هذه الحياة الذكية بنفسها (كما نحن نجد مشكلة في ذلك حاليا، أقصد بالنسبة للسفر مسافات شاسعة)، فبالتأكيد أنها قادرة على أن ترسل المسابير في أنحاء المجرة، ليصل بعضها إلى الأرض، ويمر بجانبها، لتأخذ بعض القراءات، وهذا ما نحن بصدد فعله، أليس كذلك؟ إذن، أين إذا تلك المسابير؟

عدة إجابات على هذا مثل هذه التساؤلات

أولا، قد تكون هناك حياة ذكية بما فيه الكفاية، ولكنها تستخدم طريقة متقدمة جدا لفحص الكواكب الأخرى عن بعد، فهي لا تحتاج للسفر في مراكب للوصول إلى الأرض، ولا ربما لإرسال مسابير، ولذلك لا نرى لهم أثرا، ثانيا، قد يكون وأن هناك حياة ذكية، ولكنها لم تصل إلى مستوى العلم الذي لدينا، ربما نكون نحن من أوائل أنواع الحياة الذكية التي طورت نفسها إلى هذا المستوى، أقصد مستوى الاتصال، لذلك لم نستطع أن نتواصل مع أي حضارة أخرى لهذا السبب، حتى وإن قلنا أن الكون عمره طويل، ليس بالضرورة أن تكون هناك حياة أخرى تطورت قبلنا، ثالثا، قد تكون هناك حياة ذكية، ولكنها اندثرت، فحينما وصلت إلى مستوى حضارتنا من تطور، قد تكون وأنها استخدمت القنابل النووية في حروب، ودمرت كوكبها، واندثرت (هذا الطرح هو أحد اقتراحات كارل سيغان)، أو كانت متطورة تكنولوجيا، بحيث كونت احتباسا حراريا، فأضرت بالبيئة التي تعيش فيها فانقرضت، رابعا، قد تكون تكلفة الانتشار في المجرة عال جدا بحيث لا تراه الحياة الذكية على الكواكب الأخرى أمر عملي من الناحية الاقتصادية، ولذلك لا ترسل المسابير خارج كوكبهم.

لنمسك بالنقطة الأخيرة، حتى ربما بالنسبة لنا، فإنه من المعروف أن صناعة المراكب الفضائية مكلف جدا، فعلى سبيل المثال المهمة نيو هورايزونس كلفت ٧٠٠ مليون دولار، والمركبة كيوريوسيتي الأخيرة كلفت ٢.٥ مليار دولار، والمحطة الفضائية الدولية كلفت الدول المختلفة ما يقارب ١٠٠ مليار دولار، وهذا طبعا على مدى حياتها وهي في الفضاء مع تركيب القطع المختلفة عليها، تخيل الآن لو أننا نحاول نرسل رحلات بشرية إلى خارج المجموعة الشمسية، ناهيك عن أننا لا نعرف كيف سنتمكن من إبقائهم أحياء طوال الرحلات التي ستكون مئات أو آلاف أو حتى ملايين السنوات، وناهيك عن كيفية إبقائهم سيكولوجيا سليمين، فإن التكلفة ستكون ضخمة، وهذا بحد ذاته يضع حاجز كبير على الانتشار في المجرة (على الأقل بما يتوفر لنا من تكنولوجيا أو ما نظن سنتمكن من إنتاجه من تكنولوجيا في السنوات القادمة).

ما الحل إذن لهذه الحياة الذكية التي هي أقدم منا إن وجدت؟ الحل هو إنشاء مراكب صغيرة جدا، وبتكلفة منخفضة جدا، بحيث يمكن نشرها في المجرة، عن طريق دوافع ليزر من الكوكب الذي يعيشون عليه، بحيث تصل إلى سرعات عالية جدا، ربما ٢٠٪ من سرعة الضوء، أو أكثر من ذلك، فتقطع مسافات شاسعة، في مدد قصيرة نسبيا، كما في فكرة ستار شوت.

وهنا نعود للتساؤل، إن كانت هناك حياة ذكية، فلابد أنها فكرت بهذه الفكرة، ولابد أنها أرسلت الكثير منها في الفضاء، وهي الآن تجوبه، فأين هي تلك المراكب، لم لم تزر الأرض؟

لقد لمحت آن درايان (Ann Druyan) في خاطرة سريعة أثناء المؤتمر أشارت إلى إجابة قد تكون منطقية، وهي إن كانت هذه المراكب تسير بسرعة كبيرة جدا، وهي صغيرة جدا إلى درجة أننا في ظل التكنولوجيا الحالية لم نستطع أن نكتشفها بأجهزتنا الرادارية، لن نراها، خذ على سبيل المثال الشهاب الذي وقع على تشليابينسك (Chelyabinsk) روسيا، وأصدر صوت الانفجار العالي، وهشم النوافذ بقوة صوته، وجرح العديد من جراء التحطيم، لم تكتشفه ناسا، فقد كانت مشغولة في الكشف عن الأشياء التي هي أكبر حجما، وهذا الشهاب كان قطره ١٥ مترا، فكيف بمراكب أصغر من ذلك بكثير؟ سيكون بالتأكيد اكتشافها أصعب.

أضف لذلك أن السرعة التي تنطلق بها هذه المراكب الصغيرة هذه هي سريعة جدا، فإن كانت منطلقة بسرعة ٢٠٪ من سرعة الضوء فإنها ستمر على الأرض بسرعة ٦٠ ألف كيلو متر في الثانية، وهذه سرعة عالية جدا، بالمقارنة فإن أسرع كويكيب شوهد في التاريخ كانت سرعته ٢٨.٦ كليومتر في الثانية، سرعة المركبة ستكون ٢١٠٠ مرة أسرع من ذلك الكويكب.

لا أحد يعلم إن كانت هي هذه الإجابة الصحيحة على السؤال، ولكن مثل هذه المشاريع تدعونا لإعادة التفكير في محاولة الإجابة على متناقضة فيرمي، وبما أن الفكرة جديدة نسبيا، ربما كانت للحضارات تكنولوجيا متطورة أكثر، بحيث لم نفكر بها بعد، ولم يخطر على أذهاننا طريقة لمعرفتها، ولا الكشف عن وجودها.

قصة الفكاهي

فكرة أننا لم نكتشف وجود الكائنات الحية ومراقبتها لنا من بعيد وبتكنولوجيا لا نفهمها يذكرني بقصة من قصص آيزك آزيموف من الخيال العلمي الفكاهي، وهي بعنوان “الكوميدي”، وتتلخص كالتالي:

وقف السيد الأعظم أمام الكمبيوتر مالتيفاك، وقال له: “غبي، اشتهى لبن، راح للثلاجة، لقى اللبن منتهي، قام وزور التاريخ وشربه”، بعد ذلك ادخل: ” محشش قاعد في الفصل كل شوية يضحك، في الآخر ضحك ضحكة كبيرة جدا، قال له المدرس: ‘انت اتجنت؟‘ قال له: ‘أصل عمال أقول لنفسي نكت، بس الأخيرة دي كانت جامدة جدا، أول مرة أسمعها‘” قبل أن يحصل على الإجابة وإذا بالمحلل يزعج السيد الأعظم ويوقف حبل أفكاره.

ضغط السيد الأعظم على زر إيقاف المالتيفاك، فتوقف عن إكمال تحليله للنكتة، نظر السيد الأعظم إلى المحلل بامتعاض: “ماذا تريد؟” من المعروف أن لا أحد يستطيع أن يقلل من أدبه، أو يزعج السادة العظماء، فهم أعظم ما أنتجه البشرية من عقول، ولهم احترام هائل، فعددهم معدود على الأصابع في العالم.

رد المحلل على السيد الأعظم: “لا شيء مهم، ولكن هناك مشكلة في النظام الهايبرسبيشال…”

أوقفه بسرعة: “الا ترى أنني مشغول؟” أجابه بتضايق.

“مشغول!” رد المحلل باستغراب، “مشغول في ماذا، هل أخبرت مالتيفاك احدى نكتك؟”

انفعل السيد الأعظم من السؤال: “ليس من واجبي الإجابة على أسئلتك أو تبرير نفسي لك.”

خرج المحلل من الغرفة، وتوجه إلى السياسي. وشكى له ما يفعل السيد الأعظم مع المالتيفاك، كما هو معروف أن الكمبيوترات المالتيفاك كانت عظمية، تستطيع أن تحلل الأسئلة والمعلومات لتأتي بالإجابات على جميع الأسئلة، وفي ظل وجودها أجابت على كل الأسئلة البشرية، لم يبق هناك أسئلة مهمة يسألها أحد، ولذلك أعطى البشر السادة العظماء اهتماما بالغا، حيث أنهم من العبقرية بدرجة أنهم هم الوحيدون القادرون على سؤال الكمبيوترات أسئلة مهمة، وهم بدرجة من الذكاء والتفكير في جميع الاحتمالات بحيث أن أسئلتهم، وإن بدت لأول وهلة أنها غير مهمة، إلا أنها في النتيجة النهائية تكون مهمة جدا للبشر.

حينما شكى المحلل للسياسي، احتار السياسي فيما يفعل، فقد كان السيد الأعظم، والذي في العادة ينقطع عن الناس، ولا يجلس معهم في محادثات جانبية، كان يجلس معهم ويرميهم بنكتة تلو الأخرى، قال المحلل للسياسي: “يبدو أن السيد الأعظم بدأ بإعادة النكات،” أراد أن يُبين للسياسي أن السيد الأعظم فقد قدرته على الإتيان بأفكار جديدة، فهو يكرر النكات التي كان يقولها لهم، “أصبح يجربها على المالتيفاك، وهذا ربما ينبئنا بأن السيد الأعظم ربما فقد قدرته على مساءلة الكمبيوتر بأسئلة مهمة.”

ثار شك السياسي، ولكنه كان خائفا جدا من مساءلة السيد الأعظم، فهو في أعلى مكانة بين البشر، فوق البشر، فكيف له أن يواجهه. فقرر أن يبعث له رسالة طلب لرؤيته، كتبها بحذر شديد وبكامل الاحترام والتقدير لمكانته.

بعد أن قرأ السيد الأعظم الرسالة توجه إلى مكتب السياسي غاضبا، علم أن السياسي دعاه لمعرفة مشكلة النكات التي تقدم للكمبيوتر المالتيفاك، فنظر السيد الأعظم في وجه السياسي، وقال له: ” كان في وحدة وهي على فراش الموت قالت لزوجها : عندي سر هناك صندوق في المخزن، هذا مفتاحه ولا تفتحه إلا بعد ما أموت، لكن المرأة ما ماتت ، وذهب الرجل إلى الصندوق و فتحه فوجد فيه ثلاثة بيضات و عشرة آلاف ليرة فسأل زوجته عنها فقالت : كنت كل ما خونك مرة أضع بيضة في الصندوق فانصدم الزوج ثم سألها عن الفلوس فقالت :كنت كلما صاروا البيضات كرتونة أبيعهم”.

ضحك السياسي بقوة، ونظر إليه السيد الأعظم بنظرة ثاقبة، ثم سأله؟: “لماذا ضحكت؟”

فقال له السياسي: “كانت نكتة مضحكة، لم أتوقع النهاية.”

ثم قال له نكتة أخرى: ” واحد رجع بيته من الشغل لقاه بيترق، دخل بسرعة للبيت وطلع، جاب بنته معاه، دخل مرة ثانية ورجع معاه ابنه، دخل مرة ثالثة، وطلع معاه مراته، دخل مرة رابعة، وطلع فاضي، ودخل مرة خامسة وطلع فاضي، سألوه الناس: ‘ليش تروح وترجع فاضي؟‘ قال لهم: ‘أروح أقلب حماتي‘”

فضحك السياسي مرة أخرى، فنظر إليه السيد الأعظم بتمعن: “كيف لك أن تضحك على آلام الناس؟ قتل؟ كيف يمكن لك أن تستمع بذلك؟”

قال السياسي: “إذن أن تبحث عن سبب ضحكنا على النكات، هناك العديد من الكتب التي تبحث هذا الأمر من الناحية السيكولوجية.”

“أعلم ذلك وقد قرأت بعضها، وقرأتها للكمبيوتر مالتيفاك، ولكن ليس هذا هو بحثي” من المعروف أن الأسئلة التي يسألها السادة العظماء في الغالب ما تكون مهمة جدا، قد لا يعرف هو الإجابة على تلك الأسئلة ولكن ستكون لديه شكوكا قوية تدعوه للتساؤل بمثلها. أكمل السيد الأعظم: “هل تساءلت يوما ما من أين تأتي النكات، أقصد من هو أول مصدر لها؟ ألا تلاحظ أن ولا نكتة واحدة لها مصدر، نحن نذكر النكات، ربما نتناقلها، وإن تابعناها نجد أن الشخص الأول الذي ذكرها لا يعرف من أين أتت.”

انتبه السياسي، وأثار هذا التساؤل زوبعة في ذهنه، وأراد أن يعرف الإجابة، فأكمل السيد الأعظم: “لذلك أنا أختار النكات بعناية تامة، حتى يتم تحليلها بشكل جيد، وقد سألت الكمبيوتر سؤالين، وأظن أن السؤال الأول، ‘أين مصدر النكات؟‘ قد أجيب، واليوم أعتقد أيضا أن المالتيفاك لديه الإجابة على السؤال الثاني أيضا، وسنحتاج المحلل لكي يحلل الإجابات ويترجمها لنا.”

توجه الجميع إلى غرفة المالتيفاك، وانتظروا الإجابة، طبعت الإجابة على الأوراق، فأعطى السيد الأعظم المعلومات للمحلل، فنظر إليها باستغراب، لم يكن يتوقع الإجابة، وقال: “لقد أجاب مالتيفاك على السؤال الأول بقوله أن مصدر النكات الحقيقي هو فضائيين.”

تفاجأ السياسي: “غير معقول، كيف؟”

وأكمل المحلل: “هذه النكات توضع في رؤوس الناس من غير أن يعلموا بذلك، ومن خلال سردها على الناس يقوم الفضائيون بدراسة السيكولوجية البشرية، نحن كالفئران في متاهة، نحن لا نعلم أن التجربة تقام علينا. فالفضائيين بالنسبة لنا كما نحن بالنسبة للفئران.”

سأل السياسي: “من يصدق هذا الكلام، لا معنى له أبدا، ما هو السؤال الثاني الذي سألته؟”

فأجاب السيد الأعظم: “ما هو تأثير اكتشاف الإجابة على البشرية؟”

نظر المحلل في الأوراق وقال: “المالتيفاك يقول أنه لو اكتشف حتى شخص واحد سر التجربة السيكولوجية على عقل الإنسان، فسوف يوقف الفضائيين التجربة نهائيا، وسيقومون بتجربة أخرى.”

السياسي: “هل تقصد أنه لن تكون هناك نكات جديدة؟”

المحلل: “لا، مالتيفاك يقول من الآن… ابتداء من الآن. ستكون هناك أساليب جديدة”

السيد الأعظم: “المالتيفاك صحيح، ما قاله هو صحيح، لا أستطيع أن أتذكر نكتة، ولا واحدة، ولو قرأتها في كتاب لن أضحك مرة أخرى.”

سكت الجميع، وشعروا أن العالم أصبح صغيرا، وكأنما كانوا في متاهة الفأر، وتداركوا أن المتاهة سوف تتغير.

ناسا والبحث عن الكواكب التي تشابه الأرض

لا تقتصر طرق معرفة وجود كواكب قابلة للحياة على فكرة ستار شوت، ففي حلقة “التلسكوب كبلر والسنة الضوئية” تحدثت عن التلسكوب الذي تستخدمه ناسا لاكتشاف الكواكب خارج المجموعة الشمسية، وقد كشفت التحليلات باستخدامه أن المجرة مليئة بمجاميع شمسية متعددة، وأن مجموعتنا الشمسية لم تعد وحيدة في الكون أو في المجرة بالخصوص. بل إن الإحصائيات تدل على أن هناك المليارات من المجاميع الشمسية، وقد يكون هناك المليارات من الكواكب القابلة للحياة.

المشكلة التي تواجه العلماء حاليا هي كيفية معرفة تفاصيل معلومات هذه الكواكب، فهي تبعد عنا عشرات ومئات وآلاف السنوات الضوئية، فكيف يمكن للعلماء الكشف عن أجوائها، أو الغازات التي تحيط بها أو مكوناتها؟

بالإمكان معرفة الكثير من المعلومات عن طريقة تحليل الضوء المنعكس أو الصادر منها، فحتى وإن بعدت هذه الكواكب آلاف السنوات الضوئية بإمكان العلماء معرفة بعض مكوناتها من خلال تحليل طيف الضوء الذي ينعكس منها من ضوء النجم الذي تدور حوله، أو حتى من الحرارة العالية التي يصدرها الكوكب نفسه.

هناك مشكلة أساسية في استقبال الأضواء من الكواكب، وهي أن النجم التي تدور حوله نوره شديد جدا بحيث لا نستطيع أن نستقبل أضواء الكواكب ذاتها، حتى تلسكوب كبلر يعتمد على هذه الخاصية لمعرفة وجود كواكب حول النجم، لأذكركم بطريقة عمله، لنفترض أن هناك نجمة بعيدة جدا، سنرى ضوءها باستخدام التلسكوب كبلر، ولكن لو كان هناك كوكبا ما يدور حولها، ويمر من أمامها، فإنه سيغطي الضوء الصادر من النجمة، فإن خفت الضوء قليلا، وكان هذا الإخفات دوري، ذلك يعني أن هناك كوكب يدور بصفة دورية حول النجم، وكلما يمر من أمامها ينخفض الضوء. ونكتشف وجوده، إذن هذه هي الفكرة.

نعود للمشكلة، نحن نستدل على النجم نعتمد على انخفاض وارتفاع نوره دوريا، ولكن كيف لنا أن نرى نور الكوكب نفسه، فمهما كان نوره قوي، لحرارة ذاتيه أو لانعكاس، فسوف يغرق هذه الضوء في وسط ضوء النجم، كالذي يشغل المصباح في وضح النهار، لن يكون له أي تأثير في ظل وجود نور الشمس.

ناسا الآن تعمل على تلسكوبين لحل هذه المشكلة، الأول ستار شيد أو ظل النجم (StarShade)، وهو عبارة عن قطعتين، الأولى هي التلسكوب الذي سيلتقط الضوء الصادر من المجموعة النجمية، والقطعة الثانية ستكون ستارة على شكل عباد الشمس، وتقوم هذه بتغطية ضوء النجم للسماح بالضوء المنعكس أو الصادر من الكوكب بالوصول إلى التلسكوب، يذكرني ذلك بالطريقة التي استطاع فريق السير آرثر إيدنغتون من إثبات نظرية آينشتاين النسبية العامة، حيث انتظر إلى أن غطى القمر الشمس في كسوف، ثم استطاع أن يرى ضوء النجوم من خلف الشمس بعد التوائه حوله.

اللقطة التالية تبين كيفية عمل التلسكوب، بصراحة فكرة مدهشة، ستطلق المكونات في صاروخ إلى أن يصل إلى الفضاء، فيخرج التلسكوب، ثم بعد ذلك ينطلق عباد الشمس متباعدا عنه، وينفتح كالوردة، ويبقى التلسكوب موجها إلى مكان الوردة، والتي ستسافر عشرات الآلاف من الأميال، إلى المكان الذي ستغطي به ضوء النجم، حتى يرى ما حولها.

لا أستطيع أن أتخيل مدى الدقة التي وصل إليها العلماء لتكوين هذا التناغم بين القطعتين، شيء يشيب له الرأس. شاهد اللقطة، ستشرح تفاصيل فصل ضوء النجم عن ضوء الكوكب، خيال! [1]Studying Other Worlds with the Help of a Starshade

كذلك فإن ناسا تعمل على تكنولوجيا أخرى تعتمد على صناعة مرآة متغيرة السطح، سيكون عليها الملايين من المكابس الصغير التي تغير تضاريس المرآة بشكل ميكروي، وحينما يسقط عليها أضواء مختلفة من النجم والكواكب، سيقوم الكمبيوتر على تحليل الأضواء، ثم التعديل على المرآة نقطة بنقطة بحيث يتوافق سطح المرآة مع الضوء الساقط عليها من الكواكب، وبذلك يتم التخفيف من ضوء النجم. اللقطة التالي تبين هذا الشيء، تكنولوجيا يشب لها الرأس مرتين. [2]The Search for Alien Earths – How Coronagraphs Find Hidden Planets

بمجرد أن يصل ضوء الكواكب ستتمكن ناسا من معرفة مكونات الأجواء، من غازات مختلفة، وبذلك يمكننا معرفة وجود الماء، والغازات المهمة لتكون الحياة، ثم بعد ذلك تقدير تأهل الكوكب للحياة.

بين الطموح والتحديات

مشروع “ستارشوت” لا يزال في طور العصف الذهني، فالمؤتمر الذي أقيم من أجله يهدف إلى جذب أنظار العلماء والمهندسين للمشاركة في تطويره، المصاعب الهندسية لإنجاحه هي كثيرة، وقد أدرجت 25 مشكلة أساسية تواجه المشروع على صفحة الإنترنت المخصصة له، وبالرغم من وجود مصاعب إلا أن الأسس العلمية لهذا المشروع هي صحيحة وراسخة، وبجهود العلماء والمهندسين سيتم التغلب عليها.

كنت أتناقش مع صديقي العزيز عايد العجمي، وهو صاحب البودكاست SciTalk، استمعوا له، فهو بودكاست جدا جميل، ذكرني بنقطة مهمة، نحن نتحدث عن مشروع لم يبدأ بعد، هو مجرد عصف ذهني، ولكن تخيل أن قبل 50 عاما كان هناك عصف ذهني لإنشاء مرصد لايغو، الذي اكتشف الموجات الجاذبية نهاية السنة الماضية، كان مجرد فكرة على ورق، ثم أصبحت حقيقة، واكتشفت الموجات، وفي السنة القادمة سيحصل العلماء على جائزة النوبل.

إن نجح المشروع، فإن إرسال مسابير بهذه الطريقة سيكون غزوا حقيقيا للفضاء، بعد أن كنا نرسل المسابير الكبيرة والمكلفة واحدة كل عدة أعوام مرة، ستتمكن المسابير المنخفضة التكاليف والكثيرة من الانتشار في الكون بسرعة، وستستكشفه بنطاق أوسع، وسنرى أشياء لم نحلم برؤيتها من قبل.

إن نجح المشروع سيكون بإمكان الجيل الجديد أن يرى النتائج في نهايته، شيء رائع!

المصادر

  1. موسيقى الحلقة: https://www.youtube.com/watch?v=wQDoN40-_C4
  2. Fastest moving object we know of, Scientific American
  3. Starshot Breakthrough.
  4. The Jokster, Isaac Asimov.
  5. مقالة الغزو الحقيقي للفضاء، محمد قاسم، الجزيرة نت علوم
  6. Fermi’s Paradox, Wikipedia.
  7. Star Shade, JPL, NASA.
  8. The Search for Alien Earths – How Coronagraphs Find Hidden Planets, NASA

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السلام عليكم
    معاك م/ حسن الصراف
    أحد الطلاب الذين تتلمذوا تحت يدك أيام التكنولوجيا مادة مكونات الكترونية سنة ١٩٩٩
    يعطيك ألف عافيه دكتور على المجهود الجبار اللي تبذله في سبيل نشر مختلف العلوم وبالمجان
    موضوع جداً شيق وطريقة سرده سهله وممكن توصل لأي عقليه مهما كان مستواها العلمي
    انا مستخدم جديد للسايوير بودكاست ممتشجع جداً لسماع باقي المواضيع
    استمر في عطائك والله يوفقك ويحفظك ويطول بعمرك بصحه وعافيه ان شاء الله ??

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى