Science

SW030 بين العلم والخرافة

بين العلم والخرافة

بين العلم والخرافة

الموضوع الذي سأتطرق له اليوم ربما سيكون حساسا نوعا ما، ولكني سأحول قدر الإمكان أن لا أجرح الأشخاص، ولكني سأجرح الأفكار، ولأني حاليا أعكف على العمل على العمل على البحث العلمي الخاص بي للحصول على الدكتوراة، فلن تكون المواضيع القادمة طويلة، سأحاول الاختصار وأحاول أن أبتعد عن المواضيع العلمية التي تحتاج إلى عمق، كان بودي أن أتحدث عن الروبوتات، وعن تكنولوجيا النانو وبعض المواضيع الأخرى الشيقة، ولكني سأدعها للحلقات القادمة، وهذا الموضوع بالذات لن يكون بنفس العمق الذي عودتكم عليه، بل سيكون مخفف علميا، ولكنه سيكون فيه انتقاد للوضع الغير علمي الذي نعيشه في العالم العربي الإسلامي.

لا تنسى أن تدعم السايوير بودكاست من خلال Patreon، كن مع الداعمين.
Become a Patron!

وصلنا الآن إلى الحلقة الثلاثون من البودكاست، وربما تلاحظ أنني أحاول أنك أكون دقيقا في سرد المعلومات، عادة ما أقوم به هو البحث عن المواضيع العلمية والتي أستخلصها إما من مواقع علمية صحيحة، أو من أوراق علمية بحثية غالبا ما تكون منشورة في مجلات علمية عريقة أو من خلال قراءتي لكتب علمية، أقوم بجمع المعلومات ثم أكتبها بطريقة منطقية، ثم أبسطها، ثم أضع بعض الأمثلة التوضوحية في المدونة، وأقوم بتسجليها صوتيا، لماذا كل هذا التعب، وفعلا أعترف أن عملية التفكير والقراءة والبحث الكتابة والتسجيل تأخذ مني الوقت الكثير، وفهي تبدأ من بداية الأسبوع وتنتهي قبل نهاية الأسبوع بثلاثة أيام، حيث أبدأ بالكتابة، ثم أقوم بالتسجيل يوم السبت من الساعة التاسعة مساءا تقريبا إلى أحيانا الساعة الثانية صباحا، وأفيق من الصباح وأعمل موتتاج للتسجيل وأنزل الحلقة على الإنترنت وأنشراها على المواقع المختلفة، وذلك يستغرق 4 ساعات أخرى من الصباح، لماذا كل هذا الاهتمام في أن تكون المعلومات دقيقة وعلمية صحيحة؟ لأنني أريدك أن تحصل على معلومات دقيقة لا تشوبها الخرافة، حينما تنتهي من سماع البودكاست ستكون لديك الثقة الكافية في المعلومات.

والكثير من الأصدقاء حتى قبل البودكاست يثقون بي وبتمحيصي للمعلومات، وهذا الشيء تعلمته من الصغر، وهو أن أكون صادقا في نقل المعلومة على قدر الإمكان، وأركز هنا على كلمة “قدر الإمكان”، فلا يمكن لي من التدقيق على كل شيء، ولا نقل المعلومات كلها صحيحة، فمع النسيان ومع اختلاط المعلومات، ومع الإنشغال أجد نفسي أحيانا في وحل الأخطاء، وهذا أمر طبيعي، في بعض الأحيان يرسل لي بعض الأصدقاء بعض الإيميلات التي فيها بعض المعلومات العلمية التي تحاول أن ربط العلم مع الدين أو القرآن أو الحديث مثلا، ويطلب مني في التحقيق ولو بشكل مبدئي في الموضوع، بعد أن أقرأ الإيميل، أجد من أول وهلة ما يشككني في المعلومات، وبعد أن يرتفع الحاجب بالاستغراب أبد بعملية بحث لا تستغرق سوى دقائق، وبعد لحظات من البحث أكتشف أن الكثير مما أرسل لي ليس إلا أفكار مشوهة، ضعيفة لا تصمد أما النقد العملي، وهنا أود أن أطرح هذا الموضوع حتى أبين مدى خطورة مثل هذه الأفكار.

هنا لن أخوض في الأشياء الصغيرة التي تأتي في الإيميل بين الحين والآخر مثل الأسد الذي يزأر ليقول: “الله”، مع مثل هذه الأمور أيضا في نظري لا تقدم ولا تؤخر، فالكثير من القطط والكلاب في موائها ونباحها يصدر منها أصوات وكأنها تنطق بكلمة معينة، ولو أنك تبحث عنها على الإنترنت لوجدت أنها وضعت للتسلية لا أكثر، ولكن نحن المسلمون نأخذ الأمور بشكل جدي، فنحاول أن نقحم الدين في الموضوع بدلا من أن نبحث عن تفسير علمي أو منطقي، وأستغرب من أن مثلا الببغاء الذي مذ عرفناه والمسكين يؤذن ويكبر ويقرأ القرآن، ولم يحصل على أدنى تعليق ديني، والأسد الذي يكاد يكون صوت زئيره وبشكل بعيد “الله” تجد أن لقطات اليوتيوب نهلل لذلك المنظر، فبالله عليكم أي الحيوانين أحق في أن ينال على الإعجاب؟ أو مثلا تجد لقطة لنافورة ترابية في الصحراء، في الإحساء (كما جاي في الفيديو)، في نفس هذه اللقطة تسمتع لآيات من القرآن الكريم، وكأنما ذلك شيء معجز، ويرفق هذا التسجيل المرئي صوت لقارئ القرآن، بعد مشاهدتي لهذا المنظر الغريب بطبيعتي لا أبحث عن الخوارق، بل أحاول أن أجد له تفسير منطقيا سليما، ولكن بعدها بأيام وصلني في الإيميل التفسير البسيط، وهو أنه قد انفجر أنبوب من الغاز في الأرض، فاندفع الغاز إلى الأعلى مما أدى إلى تطاير الغبار، وبدى وكأنه نافورة ترابية، لا أعلم بالأرقام، ولكن كم من الآلاف أو حتى الملايين تدفقت من الأرض وتبخرت (على فرض أن هذا التفسير كان صحيحا) ونحن نتفرج؟ لا تبحث عن التفسير الخارق وللمعاجز، بل إبحث عن أبسط تفسير، وغالبا ستجد أن هناك تفسير بسيط يؤدي الغرض.

ولكن ليس هذا موضوع الحديث، وددت أن أبين أنني سأتحدث عن المواضيع التي تطرح الفكرة بنفحة علمية، أو تأخذ شكلا علميا، ويكون الهدف الأساسي منها تثبيت وتعزيز فيه إيمان المسلم. فمثلا وصلني قبل اسابيع (وتكرر وصول مثل هذه الرسائل)، رسالة فيها شرحا مطولا علميا للفرق بين اللحم الحلال والذي ذكر عليه اسم الله واللحم الغير مذكى، في الإيميل العلمي هذا تجد أسماء طاقم علمي ودكاترة، وفي الإيميل شرحا لكيفية عمل تجربة مخبرية على لحوم الدجاج والأبقار والخراف، من خلال زيارة عدة مسالخ وأخذ عينات من لحوم ذكر اسم الله عليها ومن لحوم لم يذكر اسم  الله عليها، ثم معالجتها معالجة علمية، وفي خلال الرسالة ستجد استخدام لمصطلحات علمية وصور لكيفية أخذ العينات وتطهيرها بالديتول ووضعها بأملاح الثيوغلايكوليت (Thioglycolate)، ومن خلال البحث العلمي اتضح أن اللحم الحلال لا يلاحظ عليها أي نمو جرثومي، بينما الأخرى الجراثيم تتكاثر عليها بغزارة، وبملاحظة عينية كان لوني اللحمين مختلفين فكان الأول زهريا فاتحا والآخر أحمر قاتم يميل إلى الزرقة، وغير ذلك من الأمور التي تبين أن اللحم الذي ذكر اسم الله عليه أفضل من الآخر.

طبعا هناك أمور في أي إيميل من هذا النوع تشككني مباشرة في حقيقة المعلومات، لو أنك تبحث في كلماتها لوجدت شيئا يقفز من الشاشة مرفقا بعلامة استفهام، أود أن ابين أولا مع أنني منحاز للحم الحلال شخصيا لأنني مسلم، ومع أنني في غربتي أبحث عن اللحم الحلال، وفي خلال وجودي في أمريكا أو حاليا في بريطانيا لم آكل اللحم الحرام بتاتا، ويعلم الله كم العملية متعبة أحيانا حينما أبحث عن مطعم للأكل فيه، وفي الغالب الأعم أنتهي بأكل البطاطا والخضروات والخبز (مثل البيتزا)، ومع أنني حينما أشتري اللحم للطبخ في البيت أحيانا كثير أجد أن اللحم الذي اشتريته من المحل الإسلامي داكن اللون يبدو لي وكأنه منتهي الصلاحيته، والدجاج يكون باهتا (قارن هذا باللحوم التي المحرمة التي أجدها في الجمعيات هنا وعليها علائم الجودة) مع ذلك أشتري هذا اللحم على مضاضة أحيانا، لأني مسلم، ولأني مؤمن أن اللحم الذي يذكر اسم الله عليه هو أمر من الله لابد من طاعته، مع انحيازي للحم الحلال، ذلك لا يعني أبدا أنني أصفق وأهلل حينما أقرأ عن موضوع يقال أنه علمي.

طيب ما الذي شككني في قضية البحث العلمي في اللحم الذي ذكر اسم الله عليه؟ طبعا أول شك هو الصور، الصور تبدو لي وكأنها معدة للمستهلك العام وليس للبحث العلمي، مثل صور لأشخاص يأخذون عينات من اللحم في المسالخ، وصور القناني التي وضعت فيها العينات، وصورة لشخص يدخل القناني فرن (لا أعرف إن  كان فرنا أم ماذا)، وغيرها، من الناحية العلمية هذه الصور لا قيمة لها، بل هذه ناحية تروجية إعلامية بحته، تريد أن تعطي للقارئ الثقة في عملية البحث هذه، ولكن هذه لا علاقة لها في البحث العلمي، في البحث العلمي الصور للشخص وهو يعمل لا تمس ورقة البحث أبدا، ثم قضية استخدام الديتول لتعقيم سطح العينات، قد تكون هذه طريقة علمية في المختبرات، ولكني لم أسمع بها من قبل، لذلك لا أقول أنها غير مستخدمة، ولكني شككت في الموضوع.

من الناحية العلمية البحتة، هذا الكلام لا يمر مرور الكرام على الباحثين، فأولا، لم أجد أي مصدر لهذا الخبر، فأين الورقة العلمية المنشورة في هذه الموضوع؟ (وقد تكون هناك واحدة، ولكني لم اجدها، من المفروض أن ناشر الخبر لو أن عنده أدنى إيمان بعمله أن ينشر رابط للورقة العلمية)، من المهم جدا أن تكون هناك ورقة علمية منشورة وأن تكون منشورة في مجلة علمية موثوقة، لماذا؟ لأنه عندما تنشر الورقة العلمية يقوم محرر المجلة بإرسال نسخ للمحكمين في نفس المجال قبل نشر الورقة بحيث يتأكدوا من صحة إجرات البحث والمادة العلمية من الكتابة وغيرها من الأمور، فمن الممكن أن يسأل المحكمين ماذا يحدث لو أن الخراف تذبح بنفس الطريقة ولكن من غير ذكر اسم الله عليها، أي أنها تذبح بنفس الطريقة الإسلامية من غير الأذكار، هل السبب في عدم تكون الجراثيم (لو صح البحث طبعا) أن الدم يفرغ من الجسم؟ أم من الممكن يسألوا عن نظافة الأماكن التي تم انتقاء العينات منها أو نوع اللحوم، وما إلى ذلك، فلن تمر ورقة مثل هذه مرور الكرام على الباحثين المتخصصين في نفس المجال، ثم لو أنها نشرت، سيقرأ الكثير من الباحثين هذا البحث وسيقومون بتكرار التجربة لمعرفة حقيقة ما إذا كانت فعلا تعطي نفس النتائج أم لا، خذ على سبيل المثال ما قلناه في الحلقة السابقة في حلقة هنرياتا لاكس، حيث أن الجراح أليكسس كارل قام بتجربة ونجح فيها حيث لم ينجح فيها حتى عالم واحد غيره، ألم يعني ذلك أن تجربة أليكسس كارل كانت غير صحيحة؟ وهذا ما اكتشفه العالم بشكل جازم بعدها.

ثم لا تنسى ما هو أهم من ذلك، لو أن كان الذبح الإسلامي فعلا تأثيره كما وصف في الإيميل من حيث بقاء اللحوم بشكل أفضل من غيرها، ألا يترتب على ذلك أن تتغير فيه طرق ذبح الأنعام في الغرب، وخصوصا أن الغرب يولي الجودة الكثير من الاهتمام، وأليس ذلك سيخفف من الأعباء المالية في الحفاظ على اللحوم بحيث تصل للمستهلك بأفضل ما يكون، مما يزيد من شراء المستهلكين لهذا النوع من الذبائح؟ أين هذه التأثيرات؟ لماذا لم تؤثر معلومة علمية بهذا المستوى على جودة اللحوم؟ وأرجو أن لا تنصرف لنظرية المؤامرة.

هناك أيضا قبل يومين ما وصلني للقطة على مأخوذة من التلفزيون، حيث يقدم المقدم المتدين لقطة مصورة باستخدام التصوير الحراري لحرارة جسم رجل تخرج الروح من جسده، حيث ترى ألوان الطيف التي تبين درجات حرارة الجسم المختلفة المختلفة، فتبدأ الألوان بالاختفاء تدريجيا إلى أن لا يبقى للألوان أثر، ما قاله المقدم أن هذه الصورة لا تظهر الروح، لأن الروح من امر الله، ولكنها تظهر حرارة الجسد أثناء خروج الروح، عند مشاهدتي لهذه الصور المتحركة شككت في الموضوع، وخصوصا أن الصور تبدو وكأنها مصطنعة (أنا لا أقول هي مصطعنة بالتأكيد، أقول بدت لي كذلك، مما شككني في الأمر)، حينها تساءلت، كم من الوقت تستغرق حرارة الجسم في النزول إلى درجة حرارة الغرفة التي هي فيه بعد الموت؟ فذهبت للإنترنت فوجدت أن الحرارة تنزل بمعدل 0.83 درجات سيليزية في كل ساعة [1]The Body After Death ، لو علمنا أن متوسط حرارة جسد الإنسان السليم هي 37 درجة مئوية [2]Human body temperature ، وأن متوسط حرارة الغرف هي 23 درجة مئوية [3]Room temperature ، ذلك يعني أن الجسد سيستغرق في نزوله إلى حرارة الغرفة حوالي 17 ساعة، فكيف يمكن للتصوير الحراري ان يسجل نزع حرارة الجسد اثناء نزع الروح، والمتعارف عليه أن نزع الروح هي عملية سريعة؟

هناك الكثير الكثير من هذه الإيملات واللقطات، لن أتمكن من سردها كلها في هذا البودكاست القصير، مثل هذه الأشياء ربما تقوي الإيمان بشكل مؤقت عند الشخص، ولكن في النهاية حينما يبحث (العملية سهلة هذه الأيام مع الإنترنت) يكتشف الحقيقة، فيضعف الإيمان، وترتبط سمعة المتدين المؤمن بتلك المعلومات الخاطئة فيفقد المؤمن ثقة الآخرين، وهذا ما يحصل الآن، الكثير من لقطات اليوتيوب تسخر من المسلمين، ومن المعلومات التي يقدمها المتدينين لأهالي بلدانهم، هذه مسؤلية كبيرة، من المفروض أن يتحمل ناقل المعلومة نتائج نقله للمعلومات، وإذا ما انقلب إيمان الشخص إلى إلحاد بسبب فقدان الثقة من الدين بسبب ربطه بطريقة غير سلمية وسقيمة بالعلم من سيتحمل هذه المسؤلية؟

المعلومات المربوطة بالدين سريعة التقبل،  لأننا نود أن المصادقة على ما نؤمن به، لذلك نجد أنفسنا نشتبث بأي معلومة تدعم هذا الإيمان، ولكني أتمنى أنه حينما تصلك معلومات في الإيميل التي تحاول ربط العلم بالدين أن تكون حذرا، وأن تتعامل معها معاملة المتشكك، وإذا لم يتحمل الناقل المسؤلية أنا أدعوك أنت في أن تتحملها أنت، وهنا أدعوك لأن تتساءل عن صحة المعلومات، ثم تبحث ثم تسأل، اي إسأل ناقل المعلومة ولا تخف، تحرى من أين أتى بالمعلومات، كان من كان، إساله، ربما تحتاج أن تبقي على درجة من الاحترام إذا كانت للشخص المكانة العلمية أو الدينية، ولكن أرجو ألا يخيفك ذلك، بل أنا أدعوك لأن تخيف ناقل المعلومات، لماذا؟ لأن خوفه سيدعوه لأخذ احتياطاته المرة القادمة، وستحرى من صحة المعلومة قبل أن يذكرها.

ملاحظة: لما أضع أي لقطة توضيحة أو صورة أما ما أشبه، وددت أن يكون الموضوع أكثر موضوعية، وأبتعد عن السخرية والإثارة، إن أردت تستطيع البحث عنها إن شئت بتفسك، سأحاول أن أتفادى المواضيع الدينية، وخصوصا أنها حساسة، ولكن الموضوع هذا مرتبط ارتباط وثيق بالعلم، لذلك تطرقت إليه بخفة على قدر الإمكان. أما عن المستجدات العلمية، فسأدعها للمرات القادمة إن شاء الله.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى