بيولوجياكمبيوتر

SW028 نتعلم من الحيوان كيف نعالج أعقد المسائل الرياضية

نتعلم من الحيوان كيف نعالج أعقد المسائل الرياضية

نتعلم من الحيوان كيف نعالج أعقد المسائل الرياضية

اليوم كنت سأتكلم عن موضوعين بدلا من موضوع واحد، والموضوع الأول هو عن خوارزمية الجينات وهي طريقة برمجية تعالج الكثير من المسائل الرياضية المعقدة، وبطريقة غير تقليدية تعتمد على فكرة بيولوجيا التطور، والموضوع الثاني هو عن النظام الجديد للهواتف المتنقلة والتي أطلقت عليه شركة ميكروسوف بإسم ويندوز فون 7، ولكن لأن الموضوع طويل قررت أن أحول الموضوع من خوارزمية الجينات إلى موضوع أشمل بحيث يكون عن التعلم من الحيوان كيف نعالج أعقد المسائل، وسأترك موضوع الويندوز فون 7 لمرة أخرى حتى يمكنني التحدث فيه بإسهاب وبشرح مفصل.

لا تنسى أن تدعم السايوير بودكاست من خلال Patreon، كن مع الداعمين.
Become a Patron!

مستعمرة النمل للتحسين

في الطبيعة توجد الكثير من الكائنات الحية والتي لديها القدرة على إيجاد حلول لأمور تعتمد عليها للعيش، فمثلا لو أنك تراقب النمل عندما تكتشف مجموعة منهن طعاما على مسافة من منزلها، فلو فرضنا أن هناك عدة طرق للتوصل إلى نقطة الطعام، ولنفترض أن الطرق تختلف في الطول، سترى أن النمل يسير في المسارات كلها التي تؤدي إلى الطعام، ولكن مع الوقت ستجد أن النمل يتخذ طريقا محددا، والغريب أن هذا الطريق هو أقصر طريق إلى الطعام، كيف عرف النمل ككل بالطريق القصير؟ النمل غير ذكي، ولا يستطيع حساب المسافات، ولكن المكانيكية التي يتبعها بسيطة جدا وطبيعية مما تجعل اختيارها للطريق الأقصر أمرا طبيعيا.
فلو أن نملة انطلقت من النقطة N إلى النقطة F عن طريق المسار a كما هو موضوح في الشكل التالي، فإنها تترك أثرا باستخدام الفرمونات، ولنفترض أن نملة أخرى انطلقت من N إلى F باستخدام الطريق b، فإنها ايضا ستترك فرموناتها على الطريق، ما يحدث بعد ذلك أن النمل الباقي سيسلك المسارين متبعا الفيرمونات (نطقة مهمة في الموضوع أن هذه الفيرمومنات تتقوى كلما مرت نملة فوقها، وإذا ما تركت للوقت من غير أن تمر عليه نملات أخرى فستضعف هذه الفيرمونات) فالنمل يستخدم الفيرمومات لمعرفة الطريق إلى الطعام، فسيسلك عددا كبيرا من النمل المسلكين لوجود الفيرمونات، وصحيح أن المسلكين يوديان إلى نفس النطقة إلا أن بسبب طول الطريق b أكبر من a فسيكون مرور النمل عليه أقل من الطريق a، حتى وإن وضعت نفس عدد النمل على الطريقين فإن الطريق a سيحضى بقدر أكبر من الفيرمونات، مما يجعل الطريق a أكثر جاذبية للنمل من الطريق b. مع الوقت ستجد أن عدد النمل الذي يمر في الطريق a أكثر من b ، حتى أن تتبخر الفيرمونات نهائيا فيتخذ النمل الطريق الأقصر كخط وحيد يمر خلالة (طبعا الرسمة التوضحية يتشرك الطريقان a و b، والنمل يجد أفضل طريق بين الإثنين)، جرب بنفسك هذه التجربة، وأنا شخصيا جربت هذه الشيء، وفعلا هذا الشيء صحيح.
نتعلم من الحيوان
هذه الفكرة تم تحويلها إلى قواعد رياضية عن طريق العالم ماركو دوريجو Marco Dorigo [1]Marco Dorigo في سنة 1992، واستفاد منها لحل الكثير من المسائل الرياضية المعقدة، وتسمى هذه الطريقة بمستعمرة النمل للتحسين Ant colony optimization [2]Ant colony optimization (ويطلق الويكيبديا العربي على كلمة التحسين (optimization) بالاستمثال، وإن كنت لا أفهم كيف اختيرت هذه الكلمة)، فأحيانا هناك مشاكل كثيرة لا يمكن معالجها بالطرق التقليدية، ولكن باستخدام الأدوات الموجودة في الطبيعة يمكننا حل هذه المسائل، فمثلا هناك الكثير من المشاكل الرياضية او المنطقية التي لا يمكن حلها بالخوارزميات الاعتيادية، ولو حاول العالماء تطوير طريقة لحلها بالطرق التقليدية واستخدم الكمبيوتر لعلاجها فستستغرق هذه الكمبيوترات مئات أو ألاف السينين لإيجاد حل لها.
فعلا سبيل المثال هناك مشكلة تسمى بمسألة الرحال التاجر، وهي مسألة في غاية البساطة في الشرح، ولكن حلها في غاية الصعوبة، المسألة هي كتالي: لنفترض أن تاجرا أراد السفر من مدينة إلى أخرى متجولا خلالها كلها ثم العودة إلى مدينته مرة أخرى، السؤال هو ما هي أقصر طريق يستطيع هذا التاجر قطعه مرورا بجميع المدن؟ فلو كانت عدد المدن قليلة، ولنقل أن عندنا 4 دول بالتحديد، وهي الكويت – مصر – السعودية – الإمارات ، ولنفترض أنك تعرف المسافات بينها كلها، واردت أن تبدأ من الكويت، فبإمكانك أن تجرب على الخريطة الذهاب إلى السعودية، ثم مصر، ثم الإمارات، رجوعا غلى الكويت الكويت، وتحسب المسافة الكلية، بعدها تجرب الكويت – الإمارات – مصر – السعودية – الكويت، وتحسب المسافة مرة أخرى، ثم الكويت – مصر – السعودية – الإمارات – الكويت، وتحسب المسافة أيضا، وهكذا لتحسب جميع احتمالات السفر وتقرر بعدها أي طريق تسلك بعد أن تقارن المسافات مع بعضها البعض، وتختار أقصر طريق، ولكن المشكلة ليست في إذا كان سفرك بين عدد صغير من المدن، المشكلة تبدأ حينما تكبر عدد المدن، فعملية أن تجرب جميع الطرق لعدد 70 مدينة سيكون ذلك مستحيلا يدويا، فستحتاج إلى 10000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000 تجربة لمعرفة أفضل طريق، وهذا الرقم اكبر من عدد الذرات في الكون كله، وللعلم فهذه المشكلة تطبيقاتها في الحياة العملية كبيرة، تدخل في مجال صنع الدوائر الإلكترونية، وفي سلسلة الجينات، وفي التخطيط، وحتى في توصيل الطرود لشركات مثل دي إتش إل (DHL) مثلا، فحتى الكبيوتر لا يتسطيع علاج 70 مدينة بطريقة تجريبها كلها، فسيتسغرق ذلك سنوات لعلاج المسألة هذه، وللعلم فإن عدد المدن في المسائل الرياضية التي يحاول العلماء علاجها تصل إلى الملايين، يعني ذلك أنه لو أنه تستخدم الكمبيوترات الموجودة على الأرض كلها لما استطاعت معالجة المشكلة بتجربة كل طريق.
بالإمكان استخدام فكرة مستعمرة النمل لمحاولة إيجاد أفضل طريق (إن أمكن)، أليس ما يقوم به النمل هو إيجاد أقصر طريق للطعام، إذن نستطيع أن نمثل أداء النمل رياضيا وبرمجة هذه القوانين للإيجاد الحل، وهذا ما يقوم الباحثون بعمله..

خوارزمية الجينات Genetic Algorithms [3]Genetic Algorithms

طبعا هناك مشاكل أخرى يمكن علاجها بطريقة مسعتمرات النمل، وهناك طرق أخرى أيضا. فطريقة ثانية لمعالجة مثل هذه المسائل والتي تعتمد على الطبيعة هي خوارزمية الجينات، وهذه الفكرة تعتمد على بيلوجيا التطور، واللتي أتت من باب نظرية التطور (لن أخوض في نظرية التطور لأنها نظرية شائكة وحساسة، ولكني سأتكلم عن البرمجة لهذه الفكرة والتي تعتبر فكرة عبقرية لمعالجة الكثير من المسائل المعقدة).
في سنة 1995 كنت أدرس للحصول على بكالوريوس في الهندسة الإلكترونية، وفي يوم من الأيام دعاني دكتور في قسم الهندسة المدينة إلى مكتبه، أراد أن يريني برنامجا عمله شخصيا يقوم على علم خوارزمية الجينات، وقتها لم أكن أفهم ما هي خوارزمية الجينات، وكانت هذه هي أول مرة لي أرى فيها برنامج من هذا النوع، فقد كانت على الشاشة رسمتين، واحدة – على ايمن الشاشة – لرسمة معينة، والثانية عشوائية، حينما شغل البرنامج بدأت الصورة العشوائية تتحول وتتغير وتتراكب إلى أن وصلت إلى صورة مشابهة للتي على اليمين، فقال لي وقتها إن هذه الفكرة هي فكرة خوارزمية الجينات، واستمر بشرح كيفية تطور الصورة التي على اليسار تدريجا لتشبه الثانية، ومنها شرح لي الطريقة التي يمكنني فيها استخدام هذه الخوارزم لحل المسائل المعقدة.
سأشرح الطريقة بشكل مبسط جدا، حتى تصل الفكرة، وإن كان الشرح ربما سيكون غريبا نوعا ما، ولكن سيسهل وصول الفكرة، تخيل أن هناك مجتمعا من ذكور وإناث، وكانت هناك مشكلة في هذا المجتمع في أن الجميع ضيعف في البنية، ولا تتوفر لدى الفرد القوة الكافية لحمل حيوانات الصيد بعد اصطيادها، حيث أن ذلك كان يتطلب جهدا كبيرا فيضطر أفراد المجتمع لتشكيل مجموعة كبيرة حتى يقومون بسحب الصيد إلى مقرهم، فقرر عقلاء هذا المجتمع أن يزاوجوا بين كل رجل نوعا ما قوي مع إمرأة نوعا ما قوية، ليلدوا أطفال جدد قد يكونوا أقوياء، وللحفاظ على حجم المجتمع من التنامي بالعدد بسبب كثرة الزواج قرروا قتل الأطفال الضعاف، والإبقاء على النخبة منهم للتكاثر في المرحلة القادمة، حينما يتم التزاوج تختلط جينات الأب مع الأم لإنتاج جينات جديدة، وهذه الجينات تتأثر ايضا بتغير أو طفرة بسيطة تعدل الجين قليلا ليفترق عن أمه وأبيه، في هذه الحال قد ينتج من هذا التزاوج أطفالا إما ضعيفي البنية أو أقوياء قليلا عن آبائهم، حينها يقوم المجتمع باختبار قوة الأطفال، فإذا كانوا أقوياء يزوجونهم، وإذا كانوا ضعاف… أنت تعرف نهايتهم، مع الوقت ستجد أن التلاقح والطفرات والاختيار سيجعل من أفراد المجتمع أقوياء، مع الوقت سيكون هناك في المجتمع أفرادا لديهم القدرة على حمل الصيد بكل سهولة، هذه هي الفكرة بكل بساطة.
هذه الفكرة البسيطة يمكن برمجتها بكل سهولة على الكمبيوتر، فبعد أن تعلمتُ الفكرة برمجتها شخصيا للتسلي، وبعد مرور الوقت اتصل بي والدي من الكويت (حيث كنت وقتها في أمريكا) وطلب مني حل لغز معقد (وسأخصص بودكاست للألغار في المستقبل إن شاء الله)، الآن لا أتذكر تفاصيل اللغز، ولكنه كان يتطلب مني في محاولة حله القيام بحسابات كثيرة جدا، واحتمال الوصول للحل يتطلب الكثير الكثير من المحاولات، فقررت أن أجرب خبرتي الجديدة في البرمجة، وفعلا قمت ببرمجة خوارزمية الجينات لحل اللغز، وفي ثوان وجدت الحل، رائع! فاتصلت به بسرعة وأخبرته بالحل فلم يصدق السرعة التي أتيت بها بالحل.
بعدها، قررت أن يكون مشروع التخرج الذي سأقدمه هو محاولة موازنة البندول Inverted Pendulum [4]Inverted Pendulum المقلوب باستخدام الخلاية العصبية Neural Networks [5]Neural Networks الصناعية التي يتم تطويرها باستخدام خوارزمية الجينات، أوف! عنوان طويل، ولكن الفكرة بسيطة، إحدى الأشياء التي تقوم بها أنت وبكل سهولة ومن غير أي جهد هي أن تعادل أو توازن عصاة على راحة يدك، ربما جربت هذا الشيء انت شخصيا، ففي أول محاولة لك عند وضعك للعصاة عاموديا على راحة يدك ستجد أن العصاة تميل لتهوي إلى الأرض، ستتسابق مع ميلان العصاة حتى لا تدعها تقع، ولكن بما أنها المحاولة الأولى لك، في الغالب ستسقط العصاة، ولكن بعد كل محاولة جديدة ستلاحظ أن قدرتك على موازنة العصاة تتحسن، إلى أن تصل إلى مرحلة لا تقع العصاة نهائيا على الأرض، لا تستغرب أن يكون مشروع مثل هذا يُعمل به، فله عدة استخدامات، فمنها يستخدم للتحكم في الصورايخ، حيث أن الصاروخ حينما ينطلق فهو ينطلق بسبب الدفع من الإسفل، فيحتاج الصاروخ إلى موازنة حتى لا يميل ويقع على الأرض، ثم إن بعض أنواع الكرينات التي تستخدم في البحر والتي تقف على منصة متحركة تحتاج إلى الموازنة، وأيضا الجهاز السيجوي Segway [6]Segway والذي فيه العجلات على الجانبين يحتاج إلى موازنه أيضا. Youtube: Segway XT [7]Youtube: Segway XT
 نتعلم من الحيوان

المشكلة أنني كنت أحتاج أن أماثل حركة البندول باستخدام برنامج وذلك بدلا من أصنع بندولا حقيقا، فتوجهت إلى المكتبة وبحثت في الكتب، وإذا بي أكتشف كتاب أسود عريض كبير، اسمه جينية البرمجيات Genetic Programming [8]Genetic Programming (يختلف قليلا عن خوارزمية الجينات)، للمؤلف جون كوزا John Koza [9]John Koza ، وفي الكتاب وجدت أنه وضع حلا لهذه المشكلة باستخدام جينية البرمجيات، فوجدت ضالتي، حيث أنه استخدم قانونا فيزيائيا طويلا عريضا ليماثل حركة البندول المقلوب، فقمت ببرمجته بحيث أصبحت هناك صورة متحركة للبندول المقلوب (كما في الشكل في الأعلى)، وبعدها برمجت الخلايا العصبية الاصطناعية التي ستتحكم في البندول المقلوب (وكأنها محاولة لي لتمثيل المخ الذي يقوم بعملية التحكم في العصاة على راحة اليد)، وبعدها وبدلا من أن أجعل طريقة التعلم كطريقتنا في التعلم، قمت ببرمجة خوارزمية الجينات بحيث تطور هذه الجينات الخلايا العصبية (وللعلم قرأت الكتاب من الدفة إلى الدفة، وأعجبت به كثيرا واستمتعت به جدا)
في يوم التخرج دخلت إلى القاعة والتي عجت بالطلبة والمدرسين، وبدأت بشرح الفكرة وطريقة العمل، ثم شغلت البرنامج ليروا كيف يعمل أمام أعينهم، ففي البداية كانت محاولة البرنامج لموازنة البندول فاشلة، حيث أن الخلايا العصبية لم يكن عندها أي علم بطريقة الموازنة، ولكن مع مرور الوقت بدأت خوارزمية الجينات بتطوير الخلايا العصبية تدريجيا إلى أن وصلت إلى مرحلة لم يقع البندول فيها نهائيا، التصقت أعين الدكاترة والطلبة بحركة البندول، وانتهيت من الشرح ولم ينتبه لي أحد، فالكل مندمج بهذا البرنامج العجيب، فتوقفت أنتظر منهم أي رد، ولكنهم كانوا مبهورين منشغلين، إلى أن حركت يدي في الهواء وأخبرتهم بأني انتهيت، فاستفاقوا وانهالوا علي التصفيق، كان يوما شيقا جدا.
القصة لا تنتهي عند هذا الحد، بعد حوالي 12 سنوات، وتحديدا في السنة القبل ماضية (2008)، ذهبت إلى مؤتمر عن الحسابات التطورية، فانغمست بالمحاضرات المختلفة في خوارزمية الجينات، ومستعمرات النمل، وسرب الجسيمات للتحسين Particle Swarm Optimization [10]Particle Swarm Optimization ، وهذه أيضا طريقة أخرى لحل المسائل المعقدة، حيث أنها تعتمد على حركة سرب بعض الحيوانات مثل النحل حينما يطير مع بعضه، أو الأسماء الصغيرة حينما تحوم في مجموعة كبيرة، أو أسراب الطيور (شاهد المقعطع التالي لسرب هائل من الطيور يطير مع بعضه، مذهل!)، فمُثلتْ حركات هذه الأسراب للبحث عن الطعام والدفاع عن نفسها من الفرائس بقواعد رياضية بسيطة مكنت العلماء من استخدامها لمعالجة الكثير من القضايا الرياضية أيضا، وفي أثناء تجولي في الممرات بحثا عن محاضرة وانا أنظر إلى جدول المحاضرات المختلفة، وكنت أحاول أن أختار أفضل محاضرة أستطيع الاستفادة منها، فقررت أن أدخل إحدى هذه المحاضرات، واختلس لي نظرة، فإن أعجبتني بقيت، وإلا سأنطلق إلى محاضرة أخرى.
http://www.youtube.com/watch?v=XH-groCeKbE
نظرت من الباب وقبل دخولي إلى القاعة، وإذا بالمحاضرة قد بدأت، والمحاضر رجل في الخمسينات من عمره، رجل مرح، وقد وضع على الشاشة صورة بدت لي وكأني أعرفها، فقد رأيتها في السابق، فقررت الدخول إلى القاعة والجلوس، واستمتعت بشرح العالم، بعدها وضع صورة أخرى على الشاشة، وفي هذه المرة، بدأت بالشك، هل من الممكن أن يكون هذا هو كاتب الكتاب الذي قرأته قبل 12 عاما؟ وأكمل وإذا بالصورة بعد الأخرى من نفس الكتاب، وهو يقوم بشرح الكثير مما قام به، والكثير مما تلى تلك التجارب التي دونها في كتابه قبل 12 عاما، فقد كتب كتابين غير ذلك الكتاب في نفس المجال، فلم أصدق، أنا الآن أمام عالم كبير لديه سلسلة من الكتب في مجال جينية البرمجيات، وهو السبب في إنجاح تخرجي، فلولا كتابه لما عرفت كيف أمثل البندول المقلوب، وهو الشخص الذي حببني لخوارزمية الجينات بشكل عام، كنت انتظر انتهاء المحاضرة لأشكره، واصور معه، وفعلا انتهت المحاضرة، فتوافد عليه الطلبة ولمعرفتهم بمكانته، ولم أحض بفرصة للوصول إليه، ولكنني انتظرت حتى فرغ الناس، وتحدثت معه، وشكرته على الكتاب، وأخبرته بقصتي، فضحك فرحا، وطلبت منه التصوير معه، يا لها من صدفة رائعة.
هناك الكثير من الأساليب التي بإمكاننا الاستفادة منها من الطبيعة، ولا يزال العالم يعمل في هذا الجانب بشكل متواصل، حتى إلى قبل اسابيع تمكن العلماء من استخدام العفن وتمثيلها بالقوانين الرياضية لحل مشكلة عمل شبكات مثل شبكات القطارات بأنسب طريقة (إقرأ الخبر في أسفل الصفحة).

ما هي بعض الأمور التي تم علاجها باستخدام هذه الخوارزميات؟

بالإضافة إلى أنني شخصيا أعمل في هذا المجال في الدكتوراة لحل مسائل معقدة قد يكون شرحها صعب وربما ممل، هناك الكثير من النتائج الرائعة التي تمكن العلماء من الحصول عليها من هذا النوع من الخوارزميات، فمنها تطوير الأيريل أو الهوائي (مثل هوائي التلفزيون)، حيث أن العلماء في الغالب يعتمدون على المعادلات الرياضاية لتشكيل شكل الهوائي، ولكن باستخدام خوارزمية الجينات تمكنوا من انتاج أشكال لم تكن متوقعة ولا في الحسبان تؤدي نفس الغرض بكفاءة أكبر:
نتعلم من الحيوان
ومنها أيضا تطوير سيارات السباق من حيث اختيار مواد مركبة لصناعتها وفي نفس الوقت جعل السيارة إريروداناميكية أكثر لتمكنها من عدم التأثر بالهواء وبذلك تنطلق بسرعة أكبر، ومنها أيضا دخول هذا النوع من البرمجيات في صناعة المباني بطرق غير تقليدية، وهياكل تتحمل أثقالا أكبر، ومنها أيضا صناعة الدوائر الإلكترونية، فقد قام جون كوزا بنفسه بصناعة داوئر وله حقوق ملكية فيها، فهي دوائر غير معتادة، وتعالج نفس المشاكل التي تعالجها بعض الدوائر الإلكترونية ولكن بطرق مختلفة، حتى ألعاب الكمبيوتر بعضها يعتمد على هذه الأفكار، وحتى في مجال الطاقة، في محاضرة لتطوير انتاج الطاقة البديلة للبيوت على تيد (TED)، قام العلماء بتطوير ماكينة الستيزلنج باستخدام خوارزمية الجينات لتعمل بكفاءة عالية جدا [11]Bill Gross a Solar Energy System that Tracks the Sun ،  وأيضا تستخدم هذه الخوارزميات في الاقتصاد والأسهم، ومنها تطوير الروبوتات لتمشي وتتعلم تتدريجا الطريقة المثلى للمشي فاللطقة التالية تبين حركة لروبت مثل الحشرة تعتمد على خوارزمية الجنيات تتحسن في المشي مع الوقت: [12]Auto adaptable walking robot with genetic algorithm

الكثير إلى الآن لم يكتشف، العملية تحتاج إلى من ينظر حوله للاستفادة مما هو موجود، ثم تحويل هذا الشيء إلى قوانين رياضية بسيطة، ثم وضع الحلول لمشاكل أخرى.

المستجدات العلمية والتكنولوجية

+ هل تريد التحكم بالأشياء فقط باستخدام مخك؟ الآن تستطيع، فشركة نيرو سكاي NeuroSky [13]نيرو سكاي  توفر التكنولوجيا التي تمكنك من التحكم بالأشياء عن طريق وضع جهاز على الرأس مثل سماعات الإذن وهذا الجهاز يقرأ موجات المخ، ومن خلال هذه الموجات تستطيع التحكم في ألعاب معينة أو التحكم في تحريك كرة صعودا ونزولا عن طريق التركيز والاسترخاء، والآن الشركة في محادثات مع البرامج التلفزيونية الواقعية (مثل سيفايفر Surviver) لعمل بعض المغامرات التي يكون فيها اللاعبين يتحكمون بالأشياء باستخدام الأفكار، فمن الممكن إشعال النار أو إنزل جسر أو ما أشبه بالمخ فقط، صحيح أننا لا نستطيع التحكم في الأشياء باستخدام المخ مباشرة كما يحدث في فيلم حرب النجوم، ولكن هذا النوع من التكنولوجيا سيوفر هذه الإمكانيات في المستقبل.
+ هرمون البروجيسترون الجنسي الطبيعي سيوضع في حبوب ليتعاطاه المصابين بإصابات شديدة في المخ [14]Sex hormone progesterone to get head injury trial ، وسينقذ الكثير من الناس من الموت بسبب هذه الإصابات، والدراسات السابقة في هذا المجال تقول أن البروجيسترون لديه القدرة على المساعدة في الإنماء الطبيعي للخلايا المخ، ويوفر حماية من تأثير الأنسجة التالفة من المخ.
نتعلم من الحيوان
+ في خبر ورد على البي بي سي العربية [15]البحث عن كلمة عرب يقول أنه إذا ما كتبت في محرك البحث لماذا العرب (Why arabs) أو لماذا العرب هم (Why are arabs)، ستظهر في القائمة إكمال لما تكتبه، وستكون التكملة في غالبها إساءات للعرب، فمنها ما يكمل السؤال ليقول: “لماذا العرب أغنياء”، “لماذا العرب والإسرائليين يتحاربون” والبعض الآخر يسأل: “ لماذا العرب مشعرين”، و”لماذا العرب قبيحين”، و”لماذا العرب عنيفين”، و”لماذا العرب أغبياء”، و”لماذا العرب عنصريين”، نعم هذه الأشياء تضايقنا كعرب، ولكن الجوجل يعتمد على الإحصائيات، فإذا كانت أغلب الكتابات عنا بهذا الشكل لأن العالم ينظر إليها بهذه النظرة فهذا ما سنجده على الجوجل، وإزلة هذه الأمور بقوة الفرض على الجوجل سيكون تأثيرها مؤقتا، ولو أننا اردناها أن تذهب إلى الأبد فلابد أن نغير من أنفسنا، وبما أنني أهتم في تطوير الجانب العلمي للعالم العربي، فأقول لنركز على العلم حتى نتمكن من تغيير كلمة “أغبياء” إلى “أذكياء” على الأقل، لنضخ أكبر قدر من إنتاجتنا العلمية حتى تتغير الإحصائيات.
نتعلم من الحيوان

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى